منصة الصباح

نحن جزء ضئيل من الوجود

 

بقلم /محمد الهادي الجزيري

وأنا ألج هذه المقالة الجديدة ، يضجّ العالم بطوابير تفاصيل وأسراب أفعال ، إذ يحدث الآن مثلا : عناق شاب ألماني لكتاب علميّ في حديقة عموميّة ، تدرّب طفلة فرنسيّة على آلة البيانو ، تتبّع صيّاد يابانيّ لحشد من الأسماك بواسطة أجهزة شديدة الدقّة ، توهّج كرنفال في شوارع ” سيدني ” ، دخول عامل برازيلي إلى مؤسسة الزواج العتيدة وسط هياج ورقص أهله وندمانه ، يحدث الآن ما لا يمكن لأيّ نصّ أو عقل أن يلمّ به ، وقد اكتفيت عمدا بسرد أمثلة من جهات الأرض المختلفة دون التطرّق ولو إيماء إلى الوطن العربي ، ليس انتقاصا منه بل للتأكيد على شساعة العالم ورحابة الأرض وتنوّع الحضور الإنسانيّ وتعدّد أشكال إقامة الإنسان على ظهر هذا الكوكب …
من الآخر يا جماعة لسنا العالم ، لم نكنه ولن نكونه أبدا فنحن رافد من روافد الإنسانية العظيمة ، رافد معطّل ومشلول بفعل أبنائه وحمق نخبه وجشع قادته ، لكنّ أغلبنا ينسى هذه الحقيقة الموجعة ويتجاهلها إن ثقبت عينيه وصدمت مداركه ولعلّه يرفض الإذعان لمرارة الواقع اليوم ، يريد أن يُسقط غيمات الوطن العربي على عالم حيّ نابض بالبحث والعلم والخلق والابتكار ، عالم تجاوزنا بمسافات ضوئية ، وواهم من يعتقد أنّ الشعوب والأمم الأخرى في أصقاع الأرض تولي اهتماما بتناحرنا المقرف الممل ، باستثاء ساسة القوى العظمى طبعا ، المجاهدين على مدار الساعة في سبيل البحث عن موارد جديدة لشعوبهم ، ولن يجدوا مستودع طاقات وموارد مفتوحا لمن هبّ ودبّ مثل أقطارنا العربية المشغولة بثورات الذبح والنهب والاغتصاب والتخوين والتكفير والفوضى الشاملة .
من المضحك حتّى البكاء أن نرى البعض منّا يتشدّقون بمزايا ” الثورة ” وعلى رأس تلك المزايا أنّها لفتت أنظار العالم إلينا وعرّفت بنا لدى القاصي والداني ، وبالتالي صرنا حديث الإنسانيّة وهاجسها اليوميّ ، هذا ما يؤكّد نهائيّا تفشّي الوهم فينا واستفحال التضخّم المرضيّ في كينونة المواطن العربي ، وما علينا إلاّ القيام بجولة سريعة على القنوات التلفزيّة العالميّة أو الإبحار في محيط الأنترنات لنعي فداحة غربتنا وانفصالنا الحضاريّ الرهيب عن مسيرة الإنسانيّة…، أطلّوا على النضال اليوميّ للشعوب والأمم يرحمنا ويرحمكم الله ، التفتوا إلى الجهود الجبارة التي يبذلها العالم النرويجي والعامل الصيني والباحث الأمريكي والبيطري الكندي والرياضي الروسي وووووو، افتحوا العالم وشاهدوا ما يضجّ به من منافسات مدهشة في جميع مجالات العلم والمعرفة والفنّ والاقتصاد والفلاحة والبحث العلمي ورسكلة كلّ ما تقع عليه اليد المثقفة المبدعة المتحضّرة ، وليست اليد التي تذبح إنسانا باسم المبدع العظيم ، ليست اليد الرافعة للسلاح في وجه الأب والأخ والطفلة والمرأة المهجّرة من بيتها وأرضها وعقلها كذلك….
ارفعوا هذه اليد الجاهلة المتخلفّة عن أرضنا وبحرنا وسمائنا ، دعونا نحاول اللحاق بمن علّمناهم الطبّ والفلسفة والجبر والهندسة في حقبة ما من تاريخنا العربي ، أيّام كنّا مؤمنين بأنّنا أمّة ” إقرأ ” ، كفّوا عن تعطيلنا وشلّ حركة مجتمعاتنا ، كفّوا عن إهدار طاقاتنا ونحر عقولنا ومواهبنا ، خلّوا بيننا والعالم … أطلقونا … إنّنا مأمورون بالانتصار لهذه الأمّة المظلومة المستهدفة من داخل الجرح وخارجه …

آخر القول:
اهدأ
أعلم أنّك مكتظّ بالقتلى والقتلةْ
ومحاط بالقنّاصين وبالجوعى
أعلم أنّك أحزن من جيش مهزوم
وأشدّ ذهولا من طفل ضيّع أمّه في الأسواقْ
أعلم أنّك مقبور في ضيق الفقرِ
وأعلم أنّك مشتاق مشتاق مشتاقْ

شاهد أيضاً

بلدي زليتن يناقش إزالة التعديات على خط الغاز

ناقش عميد بلدية زليتن مفتاح حمادي، آليات إزالة التعديات على خط الغاز الممتد من مصنع …