زايد…ناقص
جمعة بوكليب
متى تتوقف أمريكا عن اضرام نيران الحروب؟ ألا يكفي ما خاضته، حتى الآن، من حروب، وما جرَّ عليها، وعلى دول العالم، من كوارث ومصائب وويلات، على كافة المستويات: عسكرياً وسياسياً واجتماعياً واقتصادياً؟
سؤال كثيراً ما ألحَّ عليَّ، كلما سمعتُ، أو شاهدتُ، أو قرأتُ، في وسائل الاعلام على اختلافها خبراً عن نشوب حرب أمريكية أخرى، في مكان آخر من العالم. وكأن الحرب وأمريكا حكاية بلا نهاية. وللأسف الشديد، فإن سؤالي مازال قائماً رغم مرور الأعوام، ولم تتوفر لي إجابة كافية شافية. ولا أعتقد أن أحداً بمستطاعه التطوع بتقديم إجابة. فأنا منذ أن وعيت بالعالم من حولي، وجيوش أمريكا لا تخرج من مستنقع حرب، حتى تتورط في مستنقع حروب أخرى. وكأن الحرب جزءٌ عضوي في جينات الهُوّية الأمريكية. وقرأتُ، مؤخراً، ما نشره كاتب أمريكي اسمه “فِلْ كلاي-Phil Clay” بأن سُدس الميزانية الفيدرالية الأمريكية مخصصٌ للحرب. وأن لأمريكا جنوداً وضباطاً موزعين في 800 قاعدة عسكرية في مختلف أنحاء العالم. وأن أمريكا متورطة في عمليات عسكرية ضد حركات إرهابية في عدد 85 بلداً. ويعترف الكاتبُ أن هذه المعلومات، بما تثيره من دهشة وخوف، لا يعلمها إلا جزء يسير من المواطنين الأمريكيين العاديين. أضف إلى ذلك، تأكيده على أن أعداد القوات المتورطة، في تلك الحروب والعمليات العسكرية، لا تزيد نسبتها عن 1 % من عدد السكان!! وهاهي أمريكا، حالياً، تقود بشكل مباشر أو غير مباشر، الحرب في أوكرانيا، وتحرص على تزويد حكومة كييف بالسلاح والمال والذخائر والمساعدات المالية، ويقود رئيسها حملة سياسية من أجل حشد أكبر عدد من دول العالم الأخرى وراء بلاده، لتحقيق أهداف السياسة الأمريكية في حربها ضد روسيا.
كنّا خطأ نعتقد أن هزيمة أمريكا الكارثية في حرب فيتنام، وما أحدثته من ردود أفعال في المجتمع الأمريكي وفي العالم أجمع، ستكون آخر حروب أمريكا. وأن القادة السياسيين والعسكريين في واشنطن سيفكرون مستقبلاً، ألف مرّة، قبل اتخاذهم قراراً بنشر قوات عسكرية خارج الحدود، بهدف القيام بأعمال عسكرية. إلا أن اعتقادنا كان، إلى حدّ كبير، مجانباً للصواب، وأقرب للتمنّي منه للواقع المعاش وتعقيداته على المستويين الأمريكي والدولي. وتبيّن لنا أن واشنطن لا تستطيع العيش من دون حروب، وليس بمقدور قادتها التواصل مع ما يحدث من إشكالات في العالم بالطرق الدبلوماسية وعبر قنواتها العديدة وحدها، من دون اللجوء إلى التكشير عن الأنياب، عبر استخدام القوة العسكرية. وهذا يذكرني بوصف ( بوليس العالم) الذي كان يطلق على أمريكا. لكن العالم تغيّر، ولم يعد في حاجة إلى بوليس. وأمريكا على وعي وإدراك بتلك الحقيقة. وهي رغم كل قوتها العسكرية الجبارة، ليس بمقدورها ضمان خروجها منتصرة من الحرب. ولعل الانسحاب الأمريكي المُذل من افغانستان مؤخراً، بعد عشرين عاماً من التواجد العسكري في ذلك البلد الفقير، خير مثال على ذلك. فقط، تخيّلوا المبالغ المالية التي أنفقت على تلك الحرب، والخسائر في المعدات والعتاد، والقتلى سواء من العسكريين الأمريكيين أو الافغان. ولا تنسوا الدمار في العمران، والخراب الذي تركته تلك القوات وراءها، في كل مدينة وبلدة وقرية. وماذا عن الدمار في النفوس؟
إذا كانت أمريكا لا تستطيع العيش من دون حروب فلماذا لا تغير وجهة تلك الحروب نحو اجتثاث الفقر من العالم أو القضاء على المجاعة، والأوبئة؟