حـديـث الثـلاثــاء
مفتاح قناو
بوفاة الأديب علي مصطفى المصراتي فقدت ليبيا مناضلا كبيرا من مناضليها، ورمزا ثقافيا مهما من أجل رموزها، فقد انغمس الكاتب الراحل في العمل الوطني السياسي منذ عودته إلى ليبيا أواخر أربعينيات القرن العشرين خطيبا لحزب المؤتمر الوطني الذي قاده المناضل بشير السعداوي من اجل تقرير استقلال البلاد بعد الحرب العالمية الثانية، طاف المصراتي البلاد داعيا الشعب إلى الخروج والتعبير عن مطالبه في الحرية والاستقلال أمام اللجنة الرباعية التي كونتها الأمم المتحدة لمعرفة مطالب الشعب الليبي.
وبعد إعلان الاستقلال اتجه على مصطفى المصراتي للعمل الإبداعي فكتب عشرات الكتب التي تهتم بليبيا وأعلام البلاد الليبية، وتاريخ وجهاد الشعب الليبي، كان على مصطفى المصراتي يصرخ في كل كتاباته وبصريح العبارة ( انه ليبي وليس لديه شيء أهم من ليبيا ).
تولى العديد من المناصب الثقافية، فكان أول رئيس للجنة العليا لرعاية الفنون والآداب، وتم انتخابه أمينا عاما لرابطة الأدباء و الكتاب، وأسس جريدة الشعب وكان رئيسا لتحريرها في الستينيات.
عرفته مقاهي طرابلس بارتياده الدائم لها، وتعليقاته الساخرة على كل شيء، فقد كان الفقيد سريع البديهة حاضر النكتة، نتذكر جلساتنا المسائية معه بمقهى البرلمان أواخر التسعينيات.
روى لي الأستاذ المصراتي ما حدث مع المستعرب والمترجم التشيكي (يارومير هايسكي) الذي جاء للعمل في ليبيا في الثمانينات وكانت له لقاءات طويلة مع الأستاذ المصراتي في مقاهي المدينة وقام بترجمة مجموعة من القصص القصيرة الليبية بغية نشرها في بلاده، ويبدو أن اللقاءات كانت مرصودة من طرف الجهات الأمنية، فقد اختفت من حقيبته جميع أوراقه ومستنداته التي ترجمها وحواراته مع الأستاذ المصراتي في مطار طرابلس بطريقة فنية لم ينتبه لها إلا عند وصوله إلى بلاده.
وبعد عودته من الإجازة التقى مع الأستاذ المصراتي و اخبره بما حدث لحقيبته في مطار طرابلس، فضحك الأستاذ المصراتي كثيرا وأطلق بعض عباراته الساخرة، وزوده بنسخة من تلك الحوارات التي كان المصراتي قد احتفظ بها كعادته في جمع كل ما يتعلق بأعماله الإبداعية، وصدر في براغ كتاب المستعرب التشيكي يارومير هايسكي يحتوي مجموعة من قصص الأستاذ المصراتي تحت عنوان (القصة الليبية الحديثة).
رحم الله الأستاذ علي مصطفى المصراتي، السياسي المناضل، والكاتب المبدع، والإنسان العاشق للوطن، الساخر من هذه الحياة الفانية.