زايد…ناقص
بقلم /جمعة بوكليب
القراء الذين شاهدوا الشريط السينمائي ” فورست جمب – Forrest Gump” (1994) بطولة الممثل الامريكي توم هانكس، ربما يتذكرون اللقطة التي يقول فيها الجملة التالية:
“أمي تقول الحياة مثل علبة شكولاته، ليس بامكانك توقع ما ستحصل عليه.”
المقصود بالجملة أنه لا يمكن للمرء التبنؤ بما سيصيبه من الحياة، وهو أمر لا يختلف حوله عاقلان. إذ ليس بامكاننا كبشر سوى العيش في الحياة وتدبر أمورنا، والسعي لانجاز ما نطمح لتحقيقه من أحلام، وفي نفس الوقت نعلم، يقيناً، أننا عاجزون عن التبنؤ بما قد ترميه الحياة في طريقنا من خير أو شرّ. لكن أن تكون الحياة مثل علبة شكولاتة، كما تعتقد وتقول أم السيد فورست جمب، فهذا يعني أننا وإياها لا نقف على قطعة أرض واحدة. وبالتأكيد، فإن قطعة الارض التي تقف هي عليها أعلى من تلك التي يزدحم فوقها أغلب البشر في العالم. إذ لو كنّا نقف على نفس قطعة الأرض، لكنّا أعتقدنا مثلها أن الحياة مثل علبة شكولاته. ولذلك السبب، تحديداً، اختلفنا لأن حيواتنا، وتصوراتنا للحياة، لا مكان بها للشكولاته على وجه الإجمال، بل لأشياء أخرى، غريبة، ولا تقترب حتى من الحلوى الشامية أو الكارميلا، وغيرها من الاشياء التي بمجرد نطقها يسيل لها لعاب المرء، ولعاب من يستمع له.
أن تكون الحياة مثل علبة شكولاته، فهذا لا يعني سوى أن البشر الذين يرونها هكذا عاشوا ويعيشون في مستوى انساني وحياتي مريح جداً. ولهذا السبب، لا يتصورون مطلقاً أن الحياة من الممكن أن تكون مثل صندوق بصل، كما هي، فعلياً، لكثيرين. فالمرء أينما كان وحلّ، لدى فتحه لعلبة شكولاته لايتوقع أن يجد بها حنظل، أو صبر ومر، أو غيرها من الاشياء ذات المذاق المستهجن، أو الحاد، أوالحامض، أو المالح، أو الحار زي الفلفل. كل ما يتوقعه أنه سيجد قطعاً من شكولاته، وقد سُويت ورُتبت بنظام، وبأشكال مختلفة، وما عليه سوى أن يمد يده ويختار ما شاء له منها. والمحظوظون من البشر، مثل الممثل توم هانكس وأمثاله من المليونيرنيين والمليونيرات، ولصوص المال العام وأشباههم في بلداننا، واللصوص أولاد الحرام في كل بلدان العالم، هم من القادرين على شراء علب شكولاته متنوعة، واختيار منها ما يروق لهم والتمتع بمذاقها. ومن حقهم أن يشبهوا الحياة بعلبة شكولاته. أما غيرهم من البشر الغلابه، من لا حول لهم ولا قوة، والموزعون على خريطة الأرض، بمختلف تقسيماتها وحدودها وتضاريسها، فليس بمستطاعهم سوى البحث عن تشبيه آخر للحياة، يتفق وطبيعة ونوعية الحياة التي عاشوها وعرفوها. إذ كيف يمكن مثلا لشخص يعيش في وضع حياتي، لا يبتعد كثيراً عن حياة حيوان في غابة، أن يعرف الشكولاته، أو أن يرى الحياة كعلبة شكولاته!!
لكن كل ما ذكر أعلاه، لا يعني أننا غير مخولين بالنظر إلى الحياة مثل أم السيد فورست جمب. إذ من المسموح للمرء أن يختار العدسات التي يرى من خلالها الحياة، لأن التصورات والخيالات والطموحات وغيرها من المفاهيم التي نتعثر بها كل يوم، ولا يكلف ترديدها مالاً، ولا عقاباً. وربما لذلك السبب، حاولت أن أضع قدميَّ في نعلي السيدة جمب، وأتصور الحياة مثل علبة شكولاته، وبأختلاف بسيط جداً ناجم عن خصوصية. إذا كان لابد للحياة أن تكون مثل علبة شكولاته، إذاً، فلابد لتلك العلبة أن تكون شكولاته كوكو برينس، لكي أضمن، على الأقل، أن كل القطع بداخلها متساوية في الحجم والطعم والمذاق.