منصة الصباح

نقطة / قاطعة…وداعاً

زايد..ناقص

جمعة بوكليب

 

“علاماتُ الترقيم هي علاماتٌ ورموزٌ متفقٌ عليها، توضعُ في النصّ المكتوبِ بهدف تنظيمه وتيسير قراءته وفهمه. علاماتُ الترقيم ليست حروفاً، وهي غير منطوقة. وتختلفُ استخدامات علامات الترقيم وقواعدها حسب اللغة،  وأيضاً تطور تلك اللغة عبر الزمن.” هذا ما تؤكده على صفحاتها، في الشبكة العنكبوتية، موسوعة “ويكبيديا” في نسختها العربية في تعريفها لأدوات الترقيم. ومن حق القاريء التساؤل عن السبب وراء الهدف من تناول الحديث في موضوع لا يتسم باثارة أو تشويق، أضف إلى ذلك أنه لايختلف حوله عاقلان. والقاريء محق في ذلك، وما كنتُ، شخصياً، لاجرؤ على الخوض فيه، لولا أنني، صدفة، قرأتُ في صحيفة بريطانية، يوم الأحد الماضي، تقريراً قصيراً استحوذ على فضولي، وأثار تعجّبي، وأضطرني لقراءته مرتين. الأولى لأتأكد من حقيقة أنه ليس مزحةً. والثانية لأستوعب فحواه، وأتمكن من التعامل مع ما صدمني به من حقائق يصعب على عقلي الهرم قبولها.

التقرير، باختصار مفيد، يقول إن احدى أدوات الترقيم : النقطة /القاطعة، التي نحرص على وضعها في آخر الجملة، دلالة على انتهائها وبداية أخرى، فَقدتْ وظيفتها الأساسية والمهمة تلك، لدى أبناء الجيل الصغير من البريطانيين، من مستخدمي الانترنت ، في كتاباتهم للرسائل الالكترونية، والرسائل الهاتفية النصّية، وصاروا يتجاهلونها كلّية، حتى لا يسببوا ازعاجا لإصدقائهم.!! وإذا كان معرفة السبب طريقا تقود لبطلان العجب، كما يؤكد على ذلك المثل، فإن العجبَ، في هذه الحالة، مازال قائماً على قدمين ولم يبطل. لأن السببَ صعبٌ على العقل قبوله، بل ويجعل عظام اللغوي ارسطوفانس البيزنطي الذي ابتدع أدوات الترقيم في القرن الثاني قبل الميلاد تنتفض في القبر. منذ أكثر من 2.200 عاماً والنقطة تستخدم علامة على نهاية جملة، من دون أعتراض أو نقاش، وهاهي اليوم تصير مصدر قلق وازعاج، ويتمّ الاستغناء عنها كلية، من قبل جيل الالكترونات. التقرير يوضح أن الموضوع صار يناقش على صفحات التواصل الاجتماعي في الأسبوع الماضي،  عقب نشر تغريدة على تويتر، من قبل كاتبة تدعى راينون كوسليت، تنبه فيها القراء من كبار السن إلى ضرورة الانتباه إلى حقيقة أن وضع نقطة في نهاية جملة، أو رسالة نصية يعد مثلبة لأبناء الجيل الجديد من صغار السن كونهم يعتبرونها “توقفاً فجائياً، وعلامة على العدوانية.” هذه الملاحظة، وكما هو متوقع لم تمرّ مرّ الكرام، بل صارت عرضة للتندر والمماحكاة، ولكثير من الجدال. إلا أن كاتبة أخرى تخصصت في نشر روايات الجريمة، اسمها صوفي هانا، نشرت تغريدة تقول فيها إنها سألت ابنها البابغ من العمر 16 عاماً، حول المسألة محط النقاش، وطلبت رأيه، فجاءها الرد بالايجاب. وإن ما ذكرته الكاتبة الاولى كان حقيقة.

الصحفي الذي أعد التحقيق، كتبَ موضحاً ومعلقاً أنه، استناداً إلى الخبراء، فإن صغار الســـــــــــن، ( ليسوا صبياناً أو أطفالاً) يتراسلون من دون استخدام علامة القاطعة، وذلك بكتابة افكارهم منفصلة،  ويرسلونها ، فكرة إثر أخرى. ولا يضعون نقطة في نهايتها إلاّ إذا ارادوا التعبير عن انزعاجهم، أو تذمرهم. وتقول العالمة اللغوية د. لورين فونتين:” إذا أرسلت برسالة نصّية بدون وضع علامة قاطعة في نهايتها، فهذا يعني أنك أنهيت الرسالة. لكنك لو اضفت تلك النقطة في نهاية الجملة، فإن المرسل إليه يظن ان المرسلَ لئيم أو غريب أو فظ للغاية.”

لذلك، فإننا ننصح  أساتذتنا من علماء اللغة، واللغة العربية خصوصاً،  بربط أحزمة مقاعدهم استعداداً لرحلة مستقبلية، بمطبات وأهتزازات لغوية مؤكدة، لم تخطر لهم  يوماً على بال.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …