كثيرون ينظرون الى كارثة تفشي جائحة كورونا عالميا عن موجة كبيرة من المراجعات الفكرية والنقد الذاتي في بلدان العالم المختلفة ولا سيما العالم الغربي، وقدم مجموعة من فلاسفة ومفكري وعلماء اجتماع أوروبا والولايات المتحدة قراءة نقدية لواقع مجتمعاتهم المعاصرة.
تقول الفيلسوفة الألمانية كارولين إيمكه في معتزلها الصحي في برلين، إنها تشعر بالصدمة كلما شاهدت صور تفشي فيروس كورونا في العاصمة الإسبانية مدريد أو معاناة اللاجئين في مخيمات الإيواء في الجزر اليونانية التي احتجز فيها مئات منهم.
إيمكه المولودة في ألمانيا سنة 1967 واحدة من أبرز المفكرين المناهضين للتيارات الشعبوية التي حازت زخما في أوروبا المعاصرة ، ومن بين كتبها التي تناولت بالنقد خطاب العنصرية والكراهية الرائج في أوروبا، “ضد الكراهية” و”أنماط الرغبة”.
في حوار مع صحيفة البايس الإسبانية تعلن ايمكه عن مخاوفها من أن تزيد أزمة تفشي فيروس كورونا والإجراءات التي تبعته، من أشكال القمع والاستبداد ضد الأجانب.
و عن رؤيتها لتأثير هذه اللحظة على التعايش في أوروبا، اعتبرت إيمكه أنه من السابق لأوانه أن نضع توقعات معينة، وأضافت “كل شيء هش وديناميكي للغاية، وغير متزامن”.
وتابعت أنه بقدر ما تعتبر هذه الأزمة عالمية، فإن تبعاتها لا تؤثر على الجميع بالطريقة نفسها، “وفي الحقيقة، يُغري الوباء بمزيد من الاستبداد والقمع والمراقبة باستخدام الأدوات الإلكترونية”.
اعلان
وأردفت إيمكه “سيكون من الحاسم أن تكون قادرًا على إثبات أن المجتمعات التي سوف تخرج من هذه الأزمة بأقل الأضرار هي تلك التي لديها نظام صحي عام يُعول عليه والتي لم تتم خصخصة بنيتها التحتية الاجتماعية وتآكلها تمامًا”.
وأكدت أن “القدرة على إثبات أن التضامن والرعاية المشتركة هما أهم العوامل التي أدت إلى الانتصار على الفيروس وليس حالة العزل والحرمان من الحرية”.
وواصلت الإجابة عن تقديرها للوضع بألمانيا في ظل الجائحة قائلة إن الصور التي التُقطت في مدريد أو مخيمات اللاجئين في الجزر اليونانية “لا تطاق فعليا بالنسبة لي”.
وتابعت “لا أرى كيف سنكون قادرين على تحمل العبء الأخلاقي والسياسي كألمان وأوروبيين، لأننا لم نتفاعل مع الأزمة بالقدر اللازم من منطلق إنساني. يبدو لي أن تقديم بعض المساعدات المالية على مضض لبلدان جنوب القارة بدلاً من إطلاق حملة قوية لصالح الدول المتضررة، هو خطأ لا يُغتفر. وهنا أتحدث في السياق الأوروبي فقط”.
ودرست إيمكه الفلسفة والعلوم السياسية والتاريخ في فرانكفورت وفي كلية لندن للاقتصاد وجامعة هارفارد.
تغذية الكراهية
وفي ردها على سؤال حول اعتقادها عما إذا كان ما يجري سيفاقم من الكراهية تجاه الآخر المختلف القادم من الخارج، أجابت إيمكه “من الطبيعي أن يسبب الوباء في نفوس الناس الخوف والفزع. الخوف من المرض أو من الموت وحيدا أو عدم القدرة على مرافقة الأحباء وتوديعهم، فضلا عن الخوف من الأعباء المادية أو فقدان العمل”.
واستدركت “لكن، لا ينبغي أن نعوض فقدان الحرية بالإساءة إلى الآخرين أو إذلالهم. لم يُفرز انعدام الأمن الفردي والجماعي رهاب الأجانب فحسب، بل غذّى أيضا الكراهية
حالة الاستثناء
وإذ يدور الجدل بين المثقفين والفلاسفة الأوروبيين عما إذا كان التضييق على الحقوق الشخصية بذريعة الإجراءات الاستثنائية ضد تفشي الجائحة سيكون مؤقتا أم دائما، قالت إيمكه إنها تشعر بالخوف من أن يتم استغلال الوباء لتبرير الاستبداد.
وتابعت “إنها قضية حساسة للغاية ومحفوفة بالمخاطر. وقد أثبت فيكتور أوربان رئيس الوزراء المجري هذا الأمر عمليا، حيث ألغى حكم القانون، ويمكنه تمديد حالة الطوارئ إلى ما لا نهاية، وقد حوّل البرلمان إلى مجرد ديكور. يجب أن نكون متيقظين للغاية لمنع انتشار الأساليب الشمولية في استخراج البيانات والمراقبة الرقمية والقمع في أوروبا على المدى الطويل”.
وختمت إيمكه حوارها مع الصحيفة الإسبانية بأنه من الواضح “أن مجتمعاتنا ستدفع أثمانا باهظة بسبب فيروس كورونا، ومنها الحد من حريتنا في التنقل. ولكن ينبغي علينا أن نطالب حكوماتنا بأن يتم اتخاذ القرارات الصحية بطريقة شفافة وشرح أسسها، وأن نتأكد من أن القيود مؤقتة حتى لا يتحول الأمر إلى ذريعة للمراقبة والقمع..”.
وقال أستاذ التاريخ والسياسة في جامعة غراتس النمساوية فلوريان بيبر، إن الإجراءات الحالية قد تنجح في التخفيف من انتشار الفيروس وتفشي الجائحة، لكن العالم سيواجه خطرا من نوع آخر، إذ سيكون العديد من البلدان أقل ديمقراطية بكثير مما كانت عليه قبل مارس من العام الجاري، حتى بعدما يتراجع خطر الفيروس.
ويتابع أن الضوابط والتوازنات -غالبا- يتم تجاهلها من قبل السلطات التنفيذية في أوقات الأزمات، لكن الخطورة تكمن في أن تتحول هذه الإجراءات الاستثنائية المؤقتة إلى دائمة.
ومع تزايد البلدان التي أعلنت حالة الطوارئ العامة، تتزايد المخاوف بشأن مدى انتهاك التدابير -إن لم تكن مناسبة ومحدودة الزمن- الحقوق المدنية الأساسية وسيادة القانون، مع بقاء ما يقرب من ثلث سكان العالم في ما يشبه الحجر الصحي أو الحظر والعزلة.