منصة الصباح

كـــازينـو‭   ‬(1‭-‬2)

نقوش
بقلم /منصور‭ ‬بوشناف
في‭ ‬المدينة‭ ‬العربية‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬التقينا‭ ‬بها‭ ‬وفي‭ ‬ليلها‭ ‬المنعش‭ ‬والمبهج‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا،
“نحن‭ ‬أبناءَ‭ ‬الرمل‭ ‬والعطش“‭ ‬وتيمناً‭ ‬بكل‭ ‬الصعاليك‭ ‬والمتمردين‭ ‬الذين‭ ‬حفظنا‭ ‬سِيَرَهم‭ ‬الضالة‭ ‬منذ‭ ‬“طرفة‭ ‬بن‭ ‬العبد‭ ‬وحتى‭ ‬بودلير‭ ‬الضليل“‭ ‬فتشنا‭ ‬عن‭ ‬واحة‭ ‬للبهجة‭ ‬والعربدة‭ ‬والضحك‭ ‬وأيضا‭ ‬للبكاء،‭ ‬فتشنا‭ ‬عن‭ ‬“كازينو“‭ ‬ودونما‭ ‬جهد‭ ‬كبير‭ ‬وجدناه‭ .‬
كان،‭ ‬وككل‭ ‬الكازينوهات‭ ‬كما‭ ‬عرفناها‭ ‬عبر‭ ‬السينماء‭ ‬العربية،‭ ‬به‭ ‬موسيقى‭ ‬ورقص‭ ‬ونادلون‭ ‬وأنذال‭ ‬بالتأكيد،‭ ‬وضجيج‭ ‬منعش‭ ‬وبهيج،‭ ‬نادلوه‭ ‬شديدو‭ ‬البشاشة‭ ‬وفتواته‭ ‬شديدو‭ ‬التجهم‭ ‬وأنواره،‭ ‬رغم‭ ‬خفوتها،‭ ‬حارة‭ .‬
كازينو‭ ‬تلك‭ ‬المدينة‭ ‬العربية‭ ‬الكبيرة‭ ‬كان‭ ‬استثمارا‭ ‬لإحدى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المحافظة‭ ‬التي‭ ‬تمنع‭ ‬الخمر‭ ‬على‭ ‬أراضيها‭ ‬وتمنعه‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شبر‭ ‬تملكه‭ ‬في‭ ‬قارات‭ ‬العالم،‭ ‬ولذا‭ ‬فكازينوهاتها‭ ‬المنتشرة‭ ‬عبر‭ ‬القارات‭ ‬يُمنع‭ ‬فيها‭ ‬الخمر‭ ‬ولاتبيع‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬حلل‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬المشروبات‭ ‬والملذات‭ ‬الطيبات،‭ ‬يرقص‭ ‬فيها‭ ‬الرجال‭ ‬ولايسمح‭ ‬للنساء‭ ‬إلا‭ ‬بالتمايل‭ ‬والغمز‭ ‬الخفي‭ ‬المحتشم‭.‬
نحن‭ ‬وزبائن‭ ‬ذاك‭ ‬الكازينو‭ ‬“المحافظ‭ ‬“‭ ‬كنا‭ ‬“سكارى‭ ‬وما‭ ‬نحن‭ ‬بسكارى”‭ ‬فكل‭ ‬ماحولنا‭ ‬مُسكر‭ ‬ومعربد‭ ‬ولايبدو‭ ‬شرعيا‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬القوانين‭ !!‬
الكازينو‭ ‬كان‭ ‬دكان‭ ‬بهجة‭ ‬صغيراً‭ ‬وربما‭ ‬سرياً‭ ‬في‭ ‬بداياته،‭ ‬ولكنه‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسة‭ ‬اقتصادية‭ ‬هامة‭ ‬وخطيرة،‭ ‬بل‭ ‬تحولت‭ ‬مدن‭ ‬بكاملها‭ ‬إلى‭ ‬كازينو،‭ ‬“لاس‭ ‬فيغاس‭ ‬“‭ ‬مثلا‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬تكونت‭ ‬اقتصاديا‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬الكازينو‭ ‬وخدماته‭ ‬ودخله‭ ‬وتحول‭ ‬راسماليوها‭ ‬إلى‭ ‬أرباب‭ ‬كازينوهات‭ ‬وعمالها‭ ‬إلى‭ ‬نادلين‭ ‬وراقصات‭ .. ‬الكازينو،‭ ‬ورغم‭ ‬الخجل‭ ‬من‭ ‬الإعلان‭ ‬عنه‭ ‬عند‭ ‬بعض‭ ‬البلدان،‭ ‬رسم‭ ‬ملامح‭ ‬اقتصاديات‭ ‬وناورت‭ ‬على‭ ‬فكرته‭ ‬وضرورته‭ ‬بعض‭ ‬البلدان‭ ‬مضطرةً‭ ‬لوجوده‭ ‬ووجود‭ ‬فلسفته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الجهنمية،‭ ‬والكازينو‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬دخلناه‭ ‬أحد‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ .‬
إثر‭ ‬حرب‭ ‬فيتنام‭ ‬والانهيار‭ ‬والعجز‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬اللذين‭ ‬ضربا‭ ‬أمريكا،‭ ‬ظهرت‭ ‬نظرية‭ ‬تحرير‭ ‬الدولار‭ ‬من‭ ‬الغطاء‭ ‬الذهبي‭ ‬وتدشين‭ ‬ثورة‭ ‬المضاربين‭ ‬وتجار”البورصة‭ ‬“،‭ ‬ظهر‭ ‬وبمصطلح‭ ‬واضح‭ ‬وجلي‭ ‬“اقتصاد‭ ‬الكازينو‭ ‬“‭ ‬وهو‭ ‬اقتصاد‭ ‬يعلي‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬الاستهلاك‭ ‬ويحول‭ ‬المواطن‭ ‬إلى‭ ‬زبون‭ ‬كازينو،‭ ‬وتتحول‭ ‬سلع‭ ‬الكماليات‭ ‬إلى‭ ‬ضروريات‭ ‬ويهيمن‭ ‬اقتصاد‭ ‬الخدمات‭ ‬بدل‭ ‬الإنتاج‭. ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬التتويجَ‭ ‬لنظريات‭ ‬اقتصاد‭ ‬السوق‭ ‬وديناميكية‭ ‬وحيوية‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬إيجاد‭ ‬الحلول‭ ‬وتخطي‭ ‬العقبات‭ ‬والنهوض‭ ‬من‭ ‬الكبوات،‭ ‬وفرز‭ ‬القيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬وتطويرها‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬يساند‭ ‬حرية‭ ‬تدفق،‭ ‬وحتى‭ ‬عبث،‭ ‬رأس‭ ‬المال‭ … ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ثورة‭ ‬الطلاب‭ ‬وحركات‭ ‬التمرد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬كانت‭ ‬“ثورة‭ ‬المدراء”‭ ‬في‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬فصلت‭ ‬الإدارة‭ ‬عن‭ ‬رأس‭ ‬المال،‭ ‬وجعلت‭ ‬المالك‭ ‬يخضع‭ ‬لإدارة‭ ‬محترفة‭ ‬لرأس‭ ‬ماله‭ ‬تضمن‭ ‬له‭ ‬الربح‭ ‬ولا‭ ‬دخل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬التفاصيل،‭ ‬تسيطر‭ ‬الإدارة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ويكتفي‭ ‬ملاك‭ ‬الشركات‭ ‬“الكازينو‭ ‬“‭ ‬بِعَدِّ‭ ‬أرباحهم‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬سهرة‭ ‬غير‭ ‬مكترثين‭ ‬بالوسائل‭ ‬والسبل‭ ‬التي‭ ‬تحققت‭ ‬عبرها‭ ‬تلك‭ ‬الأرباح‭ .‬
امتازت‭ ‬ثورة‭ ‬الطلاب‭ ‬عام‭ ‬،‭ ‬1968‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬فرنسا‭ ‬،بالرقص‭ ‬والغناء‭ ‬الثوري‭ ‬المعادي‭ ‬للرأسمالية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬القديمة‭ ‬وقيمها‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬محافظة،‭ ‬وغيرت‭ ‬أوروبا‭ ‬العجوز،‭ ‬لتجرها‭ ‬أمريكا‭ ‬إلى‭ ‬“الكازينو‭ ‬“‭ ‬كما‭ ‬صورتها‭ ‬رواية”إنهم‭ ‬يقتلون‭ ‬الجياد‭ ‬“‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬قامت‭ ‬ببطولته”جين‭ ‬فوندا‭ ‬“‭ ‬حيث‭ ‬تنظم‭ ‬شركة‭ ‬كبيرة‭ ‬مسابقة‭ ‬للرقص‭ ‬دونما‭ ‬توقف‭ ‬يسقط‭ ‬فيها‭ ‬الراقصون‭ ‬من‭ ‬التعب‭ ‬ويخسرون‭ ‬المسابقة‭ ‬رغم‭ ‬صمود‭ ‬بعضهم‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬أربع‭ ‬وعشرين‭ ‬ساعة‭ ‬من‭ ‬الرقص‭ ‬المتواصل‭.‬
تنتشر‭ ‬بين‭ ‬الشباب‭ ‬قيم‭ ‬“الهيبز‭ ‬“‭ ‬وهي‭ ‬حركة‭ ‬“كلبية‭ ‬“‭ ‬حديثة‭ ‬ضد‭ ‬العمل‭ ‬والصناعة‭ ‬ومع‭ ‬العودة‭ ‬للحياة

شاهد أيضاً

الحرس البلدي وازن يصدر بطاقات لحصر العمالة الوافدة داخل البلدية

  اعلن جهاز الحرس البلدي فرع وازن عن إصدار بطاقات خاصة بالعمالة الوافدة تشمل عنوان …