منصة الصباح
د.علي المبروك أبوقرين

قوة السلسلة تُقاس بأضعف حلقاتها

المجتمعات يعلو شأنها بما تمنحه لأضعف فئاتها من رحمة وعدالة ورعاية ولأهل المريض والمُعاق والمسن وأولئك الذين يحملون أبنائهم على أكتافهم من مستشفى الى آخر ، والذين يبذلون أعمارهم في خدمة من أحبوا ، وهؤلاء هم المجاهدون الحقيقيون الذين يخوضون صراعات يومية صامتة لا تُدون في كتب التاريخ ، ولكنها تُكتب في أعمارهم ، وفي أرواح وأنفس من يُرافقونهم ، هؤلاء يعرفون أن الرعاية ليست رفاهية بل معركة يومية ، وأن الألم ليس علة الجسد فقط بل علة المنظومة الصحية التي تُقهرهم وتُقسرهم على الصبر أكثر مما يجب ، والصحة لا تحتاج الى تجميل بل الى مصارحة أن النظام الصحي منهك والأطباء يعملون بأقل ما يستحقون ، والمرضى كثيرون بأكثر ما يحتملون ، ومستشفيات ومرافق صحية تتوزع بين نقص الإمكانيات وغياب الإدارة وضياع القرار ، فلا تُقاس الدول إلا بقدرة نظمها الصحية على حماية صحة الإنسان وتعزيزها وتحسينها له ، وبقوة شبكات الحماية الاجتماعية فيها ، والحماية الاجتماعية الحلقة الأكثر ضعفا وأنينها يٌسمع في كل بيت أرملة بلا معاش يكفي ، ومتقاعد يعيش على الفتات ، وشاب عاطل عن العمل ، وأسرة تغرق في دوامة الايجار والدواء ونفقات المعيشة ، وتقاس بما تفعله لأجل الأطفال الذين لا صوت لهم ، والمسنين الذين خفتت أصواتهم ، والمرضى الذين يعجزون عن توفير العلاج ، وما يهدد الفئات الهشة ليس المرض والفقر فقط ، بل تسليع الصحة والتعليم ، وحين يتحول العلاج إلى صفقة ويصبح ميزان لقدرة الدفع وامتياز لمن يملك وليس لمن يستحق ، وتتحول الرعاية إلى رفاهية وليس حق أصيل ، وحين تُقاس قيمة الإنسان بما يملك لا بما يستحق يصبح المجتمع هش مهما بدا شامخ ، والمجتمع القوي هو الذي يرفع أضعف مواطنيه لا الذي يتكئ على أقواهم ، والقوة الحقيقية تقاس بقدرة حماية الطفل الذي لم يولد بعد والمريض الذي ينتظر سرير ، والمسن الذي يقف في طابور معاشه ، والمعلم الذي يحمل البلاد على سبورة متهالكة ، والدولة العادلة هي التي تقف حيث يقف المظلوم لا حيث يقف المتخم ، والنهضة الحقيقية تبدأ حين لا يُترك مريض بلا دواء ، ولا مُقعد بلا مُعين ، ولا فقير بلا حماية ، ولا طفل بلا تعليم كريم ، عندها تصبح كل حلقة ضعيفة جزء من سلسلة لا تنكسر ، وبلادنا للأسف تتسع فيها الفئات الهشة كل يوم ليس لأن الضعف خٌلق فيهم بل لأن المرض يُضعف من حوله ، والمسن يحمل ثقل الزمن وحده ، والمعاق يجر خلفه عجز المؤسسات وليس عجز جسده ، والفقير يبحث عن دواء لا يجده وغذاء لا يكفيه وعن أمل يليق به ومسروق منه ، والفقر الصحي والظلم الصحي منظومة كاملة حين تنهك وتسقط على رؤوس الذين لا صوت لهم ، ومرضى لا يسمعهم أحد ، ومسنون يتكئون على عصي أنهكتها الطوابير والانتظار ، وعائلات تتحول فيها غرف المعيشة لعناية مركزة بلا أجهزة ، والنهضة هي تصحيح حقيقي لكل هذا وتقوية لكل حلقة ضعيفة حتى تصبح البلاد سلسلة قوية لا تنكسر مهما ثقلت الأعباء .

الصحة والحياة والكرامة حق

د.علي المبروك أبوقرين
.

شاهد أيضاً

عمار شنفير

تسديدات مباشرة

عمار شنفير •إلى يقين وجهاد محمد صالح في طريقهما إلى جورجيا، يمضي الطفلان الليبيان اللذان …