جمعة بوكليب
زايد ..ناقص
المسافرُ الذي تعوزُه الخبرةُ بالطرق نحو جهة مقصودة لم يزرها من قبل، يحتاج إلى خريطة واضحة التفاصيل كي يصلها. مهمّة الخريطة هي أن تُحولَ بينه وبين الإنزلاق نحو المنعطف أو المفرق الخطأ والتوهان.
حين يدخل المرءُ منّا مرحلة عُمرية متقدمة، أُصطلحَ على تسميتها بالكهولة يحتاج، أكثر من ذي قبل، إلى خريطة متخصصة بتفاصيل وعلامات، تعينه على تفادي أخطار الرحلة.
الخرائطُ،على اختلافها وتنوّعها، ليس بينها واحدة متخصصة في تبيان طرق ومسارب بتفاصيل وعلامات واضحة، تيسر وتعينُ الكهل في رحلته الأخيرة على الوصول إلى جهته المقصودة من دون آلام. الأمر الذي يضطره إلى استشارة مرشدين ممن خَبروا تلك الطرق قبله، على أمل أن يجد في خبراتهم وتجاربهم ما يفيده. وإن خانه حُسنُ الحظّ ولم يجد بينهم من يثق فيه، عليه الاعتماد على حدسه، والتعلّم من أخطائه، والاستعانة بالصبر ومحاولة إجادة فنّ التفاوض مع المصاعب الجديدة التي لم يألفها من قبل، في أقصر وقت.
التفاوض في الشيخوخة يكون مع إحباطات البدن وأوجاع تحوّلاته ومواطن العجز، وكذلك مع المحيط الذي يعيش فيه ومعه. إنّه تفاوض من نوع مختلف عما نعرفه في السياسة، يتطلب امتلاك بوصلة من نوع خاص، لكي يمكنه الوصول إلى آخر النهار بسلام.
المرونة شرطٌ أساسي. والصبر على الأوجاع البدنية والنفسية وصفة إجبارية لمواصلة رحلة إلى محطة معلومة من دون علامات علىى الطريق، وحتى لا يكون لقمة سائغة للتوهان والدوخان والشعور بالاحباط.
الشيخوخةُ طريق بلا علامات. يدخلها المرء مترددًا ومذعنًا في آن. الزاد فيها الصبر على الألم، والحرص على التزود بما توفره التقنية الطبية الحديثة من أجهزة سمعية وبصرية كي يتفادى مطبات الطريق، ويمكنه السيربسرعات تتناسب وحالته البدنية وظروف كل منعطف، وتتسق كذلك مع مزاج النهارات والفصول، وحتى لا يتحوّل إلى كائن يدور على نفسه في مربع صغير، مثل جمل طاحونة طاعن في السنّ.