منصة الصباح
جمعة بوكليب

هواتف

جمعة بوكليب

زايد …ناقص

هواتف في كل مكان وحنيّة ومنعطف وزقاق، وعلى كل رصيف، حتى في الأحلام. هواتف بألوان وأحجام مختلفة، رخيصة وغالية، ذكية وغبية في آن، وكلها، يالطف الله، ترنّ في رأسي بلا توقّف، حتى أكادُ أجنُّ من شدة الألم، وحتى أكاد أركض في الشوارع هربًا، ولا ملجأ.

أينما ولّيتُ وجهي، وأينما حللتُ بجسدي تقابلني. تضحك في وجهي هازئةً، وتخرج لي لسانها ساخرةً، أو تغمزني بعينٍ ماكرة لئيمةٍ، وكأنها تعيدُ على مسمعي ما قالته امرأة العزيز لنبي الله يوسف، بعد أن أوصدتْ أمامه الأبوابَ: هَيتَ لك. ولا ملجأ
هواتفٌ تلاحقني في منامي. توقظني في عِز الليل، أوتحرمني سكينة قيلولتي. تسرق، بلؤم أشرس اللصوص، لحظات خلوتي بأن تنتهك هدوئي، وتُعكّر صفاء تفكيري، وكأنها “التابعة” تتعقبني. هواتفٌ أحسُّها أحياناً مثل أسراب نمل فارسي تسري تحت جلدي بلا توقف، وأحياناً أخرى تظهر لي مثل قوارض من كوكب بعيد وغريب، مكشّرة عن أنياب حادة، تريد نهش وابتلاع ما تبقى في روزنامة أيامي من أنفاس. ولا ملجأ.

هواتفٌ هواتفٌ هواتفٌ، لا تجيئني إلا بما يُعمّق من نهر أحزاني ويزيد في نزف جروحي، ويسلبني بقسوة ما أدّخرته، على مرّ الأعوام، من أفراح ومباهج صغيرة تحسّبًا لتقلبات الوقت، على أمل أن تكون- يومًا ما قادم حتمًا- درعي ضد غدر الزمان وضرباته القاتلة. ولا ملجأ.

هواتفٌ لا تتوقف عن أن تنعي إليَّ موت أحبابي، أوتزفُّ إليَّ أخبارًا عن آخر ما حلّ بهم من كوارث وأحزان، فتزيد في تضيّق مساحة حنايا قلبي، ومسامات رئتيّ، وتلخبط خلايا دماغي، أكثر مما تعانيه من لخبطة، وتهيّج مواجعي. ولا ملجأ.

الملاجيءُ التي كانت تقينا شرّ مصائب الزمان والأنظمة الاستبدادية والميليشيات تلاشت واختفت. تحوّلت إلى دكاكين ومُولات وأسواق تخصصت في بيع هواتف، ذكية وغبية في آن، مصنوعة في بلدان عدّة، بأسعار تتناسب وسعة جيب الزبون أو ضيق ذات يده. فهل من ملجأ؟

شاهد أيضاً

اجتماع لبحث دور القطاع المصرفي في تمويل مشاريع الإسكان

اجتماع لبحث دور القطاع المصرفي في تمويل مشاريع الإسكان

عُقد بمقر مصرف ليبيا المركزي، يوم أمس الأول الخميس، اجتماعٌ حضره محافظ المصرف، ومدير عام …