منصة الصباح

البترودراما!

عبدالرزاق الداهش

مئة مليون دولار تم ضخها لإنتاج مسلسل معاوية، وربما يكون الرقم أكبر بكثير.

هل هذا السخاء السعودي يأتي من أجل أدلجة التاريخ واستدعاء شخصية مثيرة للجدل والخلاف والأسئلة؟

وهل هو محاولة لإعادة تكوين الوعي الجمعي العربي والإسلامي، وربما لتزييف هذا الوعي؟ ولماذا؟

ثم، أليس الحديث عن معاوية، أحد أبطال الفتنة الكبرى، يعني إعادة إنتاج الفتنة من خلال هذه المحاولة لتبييض التاريخ؟

والحكاية التي أراها مناسبة هنا، تلك التي تتردد عن أحد القضاة الألمان، والذي قضى بإحالة اثنين من العرب المهاجرين إلى مستشفى الأمراض العقلية.

تقول القصة إن عربيين اشتبكا بالأيدي، فسأل القاضي الشخص الأول عن السبب، فأجاب بأن خصمه شتم معاوية.
أما عندما وجه سؤاله للثاني، فردّ بأن الأول شتم عليًا.

سأل القاضي عن “معاوية” وعن “علي”، فذهل بعد أن عرف أنهما قد توفيا منذ أربعة عشر قرنًا، ولهذا أمر بتحويل العربيين إلى أحد مشافي الصحة العقلية.

فماذا لو صُرفت المئة مليون دولار على غزة أو الضفة الغربية؟

وهل ندرك أن هناك أكثر من 80 مليون أميّ في العالم الإسلامي، في زمن الشات، و”تشات جي بي تي”، ومحركات البحث، والسماوات المفتوحة؟

وهل نعلم أن عدد من هم تحت خط الفقر في العالم الإسلامي يلامس الأربعمئة مليون، في زمن الوفرة ودولة الرفاهية؟
الماضي لا يمكن إعادة تفصيله، فقد مضى بكل خيره وبكل شره.

أما السؤال: من أحقّ بالخلافة، “علي” أم “معاوية”؟ فقد انتهت صلاحيته منذ أربعة عشر قرنًا، وأزيد.

والسؤال الصالح للتداول اليوم هو: من الأجدر بالحياة؟ ومن الأجدر بالبقاء في عصر جودة الإنسان؟
والتاريخ لا تصنعه الضغينة.

شاهد أيضاً

عن السَناجبِ والبَشر

جمعة بوكليب ذاَتَ صَباحٍ بَاكرٍ، بينما كنتُ أمارسُ طقوسي اليومية المعتادة في حديقة بيتي، قفزَ …