زايد..ناقص
بقلم / جمعة بوكليب
تردد في الأخبار أن العديد من شخصيات النظام السابق قد عادوا، مؤخراً، بعائلاتهم من المهاجر إلى ليبيا، وهذا في رأيي، أمرٌ محمودٌ. فليبيا، كانت وستظل وطناً لجميع أبنائها، وملجأ وملاذاً آمنا، لمن أرتضاها وطناً.
الغريب أن من بين الشخصيات التي تناولتها الأخبار، أسماء معروفة، سيئة الصيت. وأن بعضهم مازالت أياديهم لم تجف بعد من دماء ضحاياهم ، خلال فترة الحكم الاستبدادي. والغريب، أيضاً، أن عودة أؤلئك الأشخاص تمت بشكل عادي، لايختلف عن عودة امرأة حرجانة من بيت بوها إلى بيت راجلها، وكان الله ويبقى الله.
لا أعتقد أن بامكان أحد منّا ،عاش فترة حكم القذافي، قادر على نسيان تلك الحقبة بكل فظائعها ومهازلها. والذين منّا تذوقوا مرارة تلك الحقبة يدركون، على وجه الدقة، مدى المهانة التي تعرض لها الليبيون، وحجم المذلة والقمع اللذين تحملوهما على ايادي المستبد وأعوانه.
والذين، منّا، استغلالاً للظروف السيئة التي تمر بها بلادنا، يحاولون محو فظائع تلك الحقبة من ذاكراتنا، ومن ذاكرة الزمن، بحجة أننا ليبيون، ونأكل من قصعة وأحدة، واللي فات مات، وأحنا أولاد اليوم، هم ، في الحقيقة، كمن يحاول اخفاء عين الشمس بغربال محمصة، ولايختلفون عمن يحاجج بأن زمن 10 فرادي خبزة بربع دينار كان عصراً ذهبيا!!
ما تشهده، حالياً، بلادنا من صراعات، وحروب ، وقتل ودمار وما يعانيه المواطن من شظف في العيش ومعاناة قاسية، أمور مؤلمة جداً، وضحاياها كُثر، ولا يمكن تجاهلها. لكن، ذلك، لايجب أن يغلق أعيننا عن حقيقة ما جرى فوق أرضنا من استبداد وقمع وقتل وفساد وهوان. ولا أن يمحو من ذاكرتنا ما تعرضنا له، نحن الليبيين، من فظاعات ومهانات. ولا أن ينسينا حقيقة أننا، باستثناءات قليلة ومعروفة، كنّا نعيش وكأننا لاجئون في بلادنا.
وأن يقرر الليبيون المهجّرون في الخارج من رجال العهد السابق العودة إلى ليبيا والعيش في ليبيا فهذا حقهم، وحق أولادهم، ولايستطيع أحد انكاره عليهم. لكن ذلك الحق لايقف عائقاً أمام حق الضحايا في استعادة حقوقهم ، بقوة القانون، ضد من قاموا ضدهم بارتكاب جرائم قتل وتعذيب ونهب وفساد.
والذين، منّا، يحاولون وضع العصي في دولايب عجلة الزمن، بهدف ايقافها وارجاعها للوراء، ليكون بمستطاع قتلة ومجرمين أذاقونا الأمرّين، ونهبوا ثرواتنا، الرجوع من أوسع الأبواب، لامتطاء ظهورنا كما كانوا يفعلون طيلة أربعة عقود، عليهم ان يعيدوا التفكير والمراجعة في حساباتهم، وعليهم أن يتمهلوا قليلاً بدل التسرع في أحكامهم.
العودة إلى ليبيا مازالت مفتوحة أمام الجميع، ممن مازالوا يعيشون في المهاجر، ولكنها دعوة مشروطة بقبول مبدأ القصاص العدلي. والمعنى، أن الذين كانوا من كوادر النظام السابق ومن رجالاته لكنهم لم يتورطوا في القتل والتعذيب والفساد، فلا معنى لحجرهم عن عودتهم إلى حيث ينتمون تاريخياً وديموغرافياً، ولا معنى لتركهم دوايح في بلاد الغربة هم وعائلاتهم. لكن البعض الآخر ممن تورطوا حتى رقابهم في الدم والقتل والفساد والتعذيب فأمرهم مختلف. إذ ليس بامكان أحد أن يمنعهم من العودة إلى بلادهم، وفي نفس الوقت لن يكون بامكانهم المحاججة بتقادم الذنب والجريمة زمنياً، لأن الحقوق لا تسقط بالتقادم، حتى وإن صدرت بذلك أحكام قضائية ممهورة بتواقيع قضاة محترمين، كما حدث، مؤخراً، في قضية ضحايا مجزرة سجن أبوسليم. ذلك أن أحكام القضاء لاتتسق مع حكم التاريخ. أحكام القضاء متغيرة بتغير الظروف والأحوال، لكن حكم التاريخ قطعي، ودائم ، ولا علاقة له بتغير الظروف والأحوال.