باختصار
د.علي عاشور
قبل أيام قليلة نجحنا نحن الليبيون في ما يزيد عن خمسين بلدية في انتخاب من يتولى دفة المجالس المحلية للسنوات الأربعة القادمة، وهذه الدفعة الأولى، ولا زالت الدفعة الثانية تستعد لاجراء الانتخابات المحلية فيها، معنى ذلك أننا شعب لديه النية الحقيقية في ممارسة حقه الديمقراطي والمشاركة الفاعلة في صنع القرار، فقد أثبتنا قدرتنا على تنظيم انتخابات محلية جادة ونزيهة، بل ورضينا بنتائجها رغم أن المنافسة كانت في جل البلديات شديدة، وهو دليل على اهتمامنا بمستقبلنا وحرصنا على بناء مجتمع يعبر عن إرادتنا كشعب حر.
لكن رغم هذه النجاحات في الانتخابات البلدية، يظل السؤال المهم مطروحًا: لماذا لا تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية؟ أوليس الشعب هو الشعب نفسه الذي تزاحم على صناديق الاقتراع في انتخابات المجالس المحلية؟، أم أنه أصبح لدينا شعب خاص للانتخابات المحلية، وآخر مخصص للانتخابات البرلمانية والرئاسية ونحن لا نعلم؟.
سبحان الله نحن الليبيون خبراء في انتخاب كل شيء: مجالس بلدية، ولجان أهلية، وممثلي القبائل، بل وحتى لجان تنظيم الأعراس والمناسبات والزرادي واللمات….ولكن عندما يتعلق الأمر بانتخابات برلمانية ورئاسية، فجأة يصبح الموضوع معقدًا أكثر من معادلات النسبية العامة لإنشتاين، أو كأن الانتخابات البرلمانية والرئاسية فصل من فصول الأساطير الإغريقية المعقدة، شيء نتحدث عنه كثيرًا دون أن نقترب منه قليلاً، وكيف لا؟ ونحن بارعون في تسويف الأمور وتأجيلها بشكل لا يمكن منافستنا فيه.
في الانتخابات الليبية البرلمانية والرئاسية، دائمًا هناك سبب جديد للتأجيل: أحيانًا لعدم توفر الظروف السياسية، وأحيانًا لأن النجوم ليست مصطفة بشكل جيد في السماء، وأحيانًا أخرى لأننا نحتاج موسمًا جديدًا للأعذار، أو ربما لأننا نحب فكرة الانتخابات كما نحب فكرة السفر إلى المريخ، لكننا ببساطة نخاف من تنفيذها.
في مناسباتنا الاجتماعية نتحدث عن الانتخابات بشغف ولهفة، لكن إذا سألنا أحدهم بجدية: “لماذا لا تجرى الانتخابات الآن؟”، تبدأ المبررات بالانهمار، بعضها مضحك… لكن لا شك أن الأكثر منها مبكي.
نحن شطار في اختلاق الأعذار، منا من يقول: إننا لسنا جاهزين أمنياً، إلى آخر يقول: إننا لم نكمل التوافق السياسي بعد، وثالث يتحجج بالقوة القاهرة، وربما هناك رابع يشكك في جودة صناديق الاقتراع، ويقترح أن تستبدل بأخرى مصنوعة خصيصًا من زجاج مضاد للخداع.
ولكن إذا أجرينا الانتخابات، هل سنخرج بنتيجة ترضى كل الأطراف؟ هل سيقبل المتنافسون بما نختاره كشعب كما يحدث في انتخابات المجالس المحلية؟ إذ أنه لا أحد يريد أن يخسر ما بحوزته من سلطة، حتى وإن كانت تلك السلطة محدودة ومؤقتة، فالجميع يسعى للحفاظ على مكاسبه ومكانه، ما يجعل من قبول نتائج الانتخابات أمرًا معقداً ومقلقاً في الوقت ذاثه، ولكن في كل الأحوال يجب أن تجرى الانتخابات.
باختصار يمكن القول: إننا نعيش حالة من الشغف الانتخابي الزائف؛ نتحدث بكثرة، نغضب بشدة، نرفع الشعارات بحماسة، نحلم بجرأة، تم سرعان ما نعود لنسخر من أنفسنا في جلسات يغمرها دخان الأرقيلة، وتتعالى فيها أصوات لاعبي الكارطة في ليالي الشتاء القارسة، فنروي قصص التأجيلات وكأنها أحدث النكات الشعبية، نضحك على واقعنا وكأن الضحك بات طريقتنا المفضلة للتعامل مع ما لا يمكن تغييره.
الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لم تعد مجرد مناسبة ديمقراطية ننتظرها نحن الليبيون بشغف، بل تحولت إلى حلم مؤجل إلى أجل غير معروف، نغني له أغانينا المفضلة ونضيف أعذارًا جديدة إلى كتابنا الوطني الذي يمكن أن نسميه بفخر: أعذار ليبية: طريق طويل نحو لا شيء.