منصة الصباح

زايد…ناقص

بقلم: جمعة بوكليب

عن المشروع الإبداعي كثيراً ما تتاحُ لي فرصة اللقاء بشعراء وروائيين وقاصين ليبيين وعرب. وخلال تلك اللقاءات، يتطرق الحديث إلى جهات عديدة، منها الشخصي ومنها العام. وبالتأكيد، يتمحور أغلبه  في الشأن الثقافي والإبداعي. وأحياناً كان بعضهم يبادر بالتطرق للحديث عن مشروعه الإبداعي: شعراً أو سَرداً.

وكثيراً ما كنتُ أرهف السمع للمتحدث، وهو يشرح أبعاد مشروعه، وما تمكن حتى تلك الساعة من إنجازه وما بقي منه. وكنتُ، في كل مرّة، أحمدُ الله أن أحداً منهم لم يبادر بسؤالي عن مشروعي الإبداعي في كتابة القصة القصيرة، أو في كتابة الرواية. والسبب هو أنني لم أفكر في مشروع. وهذا غريب، كما قد يبدو للبعض، على كاتب يصنّف نفسه في خانة المبدعين، وقضى قرابة نصف قرن في عالم السرد، قصة ورواية.

و”ثيمة” الغربة التي تستأثر بأغلب ما نشرت من قصص قصيرة وفي روايتي الوحيدة، لم تكن مشروعي، بل فرضت نفسها عليَّ. وأنا هنا أعترف أنني لا أجد غرابة في المسألة، وإن بدت للبعض غريبة.

فالكُتّاب الإبداعيون مختلفون، وإن اتفقوا في أشياء كثيرة. وكلهم، أو أغلبهم على الأرجح، دخلوا إلى عالم الكتابة الإبداعية من باب الهواية، والرغبة في التعبير عن ذواتهم والإعلان عن وجودهم المميز في الساحات الثقافية والأدبية على اختلافها، من خلال ما يمتلكون من مواهب.

وأن يتوفر مشروع إبداعي لاحدهم، شِعراً أو سَرداً، ولا يتوفر لآخر، فالأمر، كما يبدو لي، طبيعي جداً، ولا يبعث على دهشة، أو يدعو إلى استغراب. والسبب يعود لاختلاف المبدعين أنفسهم. الأهمُّ، في رأيي ، والأوّلى بالنظر و بالنقاش، من وجود المشروع الابداعي الشخصي أو عدمه، هو وجود القدرة من عدمها، على تقديم أعمال ابداعية في مستوى فنّي يرتقي بالفنّ وبالذائقة الجمالية، ويتمكن من التعبير بجمال عن حركة الواقع المعيش واشكالاته وطموحات وأسئلته. ويضفي جديداً على كافة المستويات. أهمية توفر المشروع، في وجهة نظري، أنّه يساعد المبدع على وضع خطة زمنية، وخريطة طريق للوجهة التي يقصدها، ويساعده على إنجازها.

وأنا هنا سأجنح قصداً إلى المقارنة بين كاتب وآخر، إلى الاستعانة بمثال قد يبدو للبعض مثيراً للاستغراب حقاً، لأني استعرته من عالم يبعد كثيراً عن عالم الكتابة الإبداعية. وأقصد بذلك عالم الزراعة!! وطبعاً مع أخذ الفارق في الاعتبار، وأتمنّى على الله ألا يثير استهجانكم.  فنحن نعرف أن المجتمعات البشرية عرفتْ نوعين من الزراعة، وهما الزراعة المروية والزراعة البعلية. الحبوب بأنواعها مثلاً من الممكن زراعتها بالري عن طريق مياه الأنهار أو الأبار أو بالاعتماد على مياه الأمطار في المناطق الصحراوية، وكذلك الكُتّاب. وما أودُ الوصول إليه، هو أنني في داخل تلك  الدائرة الكبيرة من المبدعين، أجدُ نفسي في خانة الكُتّاب “البعليين.”

وأعني بذلك أنّي أضع نصب عينيَّ الارتقاء بالعمل الفنّي ابداعياً، بعيداً عن عوالم النظريات والتنظير، وعن شطحات النقادُ والمنظّرين، وفي مأمن منهم، لإيماني بقدرة الموهبة والذائقة والخبرة والاطلاع،  بمرور الوقت، على استبصار طريقها، ونحت مجراها الخاص وتميّزها.

الإبداع كان سابقاً للنقد والتنظير وسيبقى.  خلال رحلتي الطويلة نسبياً، في عالم الكتابة الإبداعية، مازلتُ أحاول التركيز على اثراء قاموسي الخاص لغوياً ، والاعتناء المستمر بتطوير أساليبي الفنّية، بمتابعة مستمرة ودائبة لما يصدر من ابداعات ليبية وعربية وأجنبية، والحرص دوماً على مواصلة تعميق مجراي الخاص فنّياً وجمالياً، اقتناعاً بأن  الاكتفاءَ بالمنُجز، والاكتفاء بالحديث عنه سجنٌ، كما يقول المرحوم الشاعر محمود درويش في كتابه ” حيرةُ العائد.”

شاهد أيضاً

هذا زمن الرواية والشعر جنس أقلية “لهذا نكتب الروايات” كتاب يضم ستة حوارات وعشر شهادات لروائيين إسبان

خلود الفلاح   الشهادات والحوارات بمثابة الكشف عن الجانب الخبيء من حياة الكاتب وعلاقته بالعالم …