فتحية الجديدي
قد نصل أحيانًا ألى فلسفة معينة عندما نشاهد عن كثب تجربة ما، وقد تكون هذه الفلسفة معروفة للكثيرين ، لكن ليس هذا الحال عندما تخوض تجربة شخصية نخرج من ورائها بنتائج نلمسها بالفعل، فعلى سبيل المثال ما يتعلق بمفهوم “الحريات التي تقاس بالفقر” ، فمفردة الفقير تقال بشكل عادي لإنسان فقير معدم مسكين ومحتاج ، وفق معايير المادة، ووضع الكلمة في جُمل عدة لوصف الحالة المتعلقة بتدني مستوى المعيشي – وليس القصد بالفقر هنا الإفلاس المعنوي بأشكاله وصنوفه المختلفة -، لكن الفلسفة هي أن “الفقر يتعارض مع الحرية «الشخصية» “
وهي جملة تعني الكثير بالنسبة لي قياسًا على تجربتي لاسيما عند سفري ، وحالة الرفض عندي في أن تكون مقيمة مع أي شخص يقيدني، حتى لو كان أعز أصدقائي، إذ أسارع لرفع بطاقة (لا) في وجهه، ما يجبره على إيجاد صيغة للاتفاق في عدم المساس بالهامش الشخصي لحياتي ! .
إن العيش على الكفاف وفي غرفة تكاد تكون أقل من العادي مع حرية يملأ نسيمها رئيتك سيشعرك بروعة لا تضاهى ولن تنالها في أفخم القصور ، فالحرية لا ترتبط بالأماكن عندي وليس كل ما هو راقٍ يشعرني بالفخر ! الحرية شيء ثمين الحقيقة ويضع الفرد في قمة التفرد دون مبالغة .
سافرت وفق مستويات مادية عدة ومتفاوتة، لكن وجدت في كل الحالات أن الحرية تساوي الكثير وهي كلمة ليست سهلة ، لأن الاختناق يشعرك بالاستفزاز ، ولأنك مطالب بجملة من الأشياء وفقًا لطلب شريكك تغلب حريتك تحت ضوابط يصنعها الشريك ويفرضها الطرف الذي اخترته ، ومن هذا الباب هناك من تعجبهم الشراكة في مفهومها العالي حتى بين الزوج والزوجة والابن وأبيه، لكن هناك أشياء تقيدنا وتخنقنا وتقيد كوننا أحرارًا – ولا أقصد بذلك الابتعاد ءو الترك – بل بقدر حريتك بقدر متعتك بكل ثانية من وقتك .
وهذا ما لا يحدث إن عشت «مرفهًا» مع شخص مطالب ضمنًيا بالقيام بجملة من الأشياء والحرص الشديد على تلبيتها وهنا يقود إلى الضغط غير المبرر ! الفقر لا يقتل الأحلام والإبداع والأشياء التي تحبها فقط ، بل يقتلنا نحن ونصبح عدمًا في عداد الأموات عندما يصبح مشروطاً !،
وليس شرطًا بأن نكون أغنياء المال أو نمتلك عقارًا فاخراً على البحر ولا سيارة فارهة أو رصيدًا في البنك – من الرغم بأن المال أداة لممارسة الرفاهية وصنع الحلول وذات أهمية مجدية ، ولكن عندما تقيسها بالحرية فإن النتيجة غير ، عندما نسخّر حتى إمكاناتنا البسيطة لصالحنا تكون أحرارًا وأغنياء بهذه الحرية.
هذه الرؤية جعلتنا أنظر لبيت عمر بن أبي ربيعة «واستبدت برأيها .. إنما العاجز من لا يستبد» من زاوية مغايرة، فالاستبداد هنا لا يعني التسلط بقدر ما يمثل الرغبة في العيش بحرية، ومن لا يكون كذلك فهو عاجز فعلاً.