فتحية الجديدي
غالباً ما نلقي اللوم على الآخر عندما نشعر أن البيئة التي حولنا لا تصلح للتعامل النظيف الخالي من العقد والأمراض النفسية، التي تعانيها التركيبة البشرية، والمتباينة في صفاته، في خليط متجانس بين الخير والشر واللطف والسماجة والهدوء والصخب.
ودائمًا ما نبحث عن مخرج أو حل لبعض ما يواجهنا من ازعاجات أو مضايقات تنتجها مزاجات مفرطة أو أفكار مغلوطة، لكن في حقيقة الأمر، وبكل دقة وموضوعية – كما تعلمنا من مهنتنا لسنوات طويلة – فنحن السبب وراء ذلك، كوننا نلقي بأنفسنا وسط مساحات (الإكس بايرد) المنتهية الصلاحية للتعامل ونظل نتتبع في خطوات الغير، ظناً منا بأنها تسع للاختلاف ووجهات النظر، دون المساس بمسألة الحق.
كما أننا نرهق ذواتنا في جدليات مسكوت عنها من أجل إرضاء الآخر كي يشعر بالأمان معنا ونظرية (أخطى رأسي وقص) وتقل قائمة العداوة – حسب اعتقادنا ، في الوقت الذي يسعى فيه هذا الآخر لتحشيد عقده وتشغيلها وفق منظومته الفكرية وشعوره في تحقيق أكبر قدر من المكاسب، ولو كانت هذه البيئة غير ملائمة لأنه بكل بساطة غير مهمة لديه بقدر ما يستطيع من الإبحار بها بمعايير أقل ما نقول عنها «معطلة» ولا تقود لوفاق إنساني.
هنا يتحول الأمر إلى إشكالية الفهم أو بمعنى أصح شكل العلاقات التي نخرج بها بعد عدة سنوات من العمل ويشكل ذلك جزءًا من رصيدنا المهني أيضًا ، فالنجاحات لا تقاس بالمنجز والأرشيف فقط، بل بحجم إنسانيتنا من خلال تواصلنا مع الآخرين وقوة الحضور الذي يكمن في بساطتنا وليس في تحويل الشطر الشرير فينا إلى شيطان والقضاء على الود بالضغائن الملونة بعقول أصحابها – بكل أسف.
لسنا ملائكة على الأرض وغيرنا ليسوا متهمين ، بل يكون أحيانًا الخلل فينا بأننا سمحنا لهم أن يكونوا جزءًا من عالمنا البسيط ضمن تجربة كاملة فيها الغث والسمين والجيد والرديء.
هكذا هي البيئات المهنية تقريبًا – كي نكون منصفين – أحيانًا لا يحترم فيها كل من هو مهادن وبسيط ومتصالح ، بل من أحد شروطها أن تكون جاهزًا للمعارك ولوا كانت خاسرة ، هل مدونات السلوك المهني ومواثيق المهنة تحمل بين موادها «كن شريرًا» ليخاف منك زميلك ؟!