منصة الصباح

بِلى الأحياء قبل الأموات

فتحية الجديدي

قد تقتل النظرات النفوس كما تحيي أخر ، وترمق أنفاسًا وتصوب أسهمها نحو القلوب، وتعلن حالة هدنة بعد حرب ضروس أو حالة فوضى لمشاعر اختزلت في طفولة يحرقها كل يوم الابتعاد والجوع وحالة وطن غاب عنه أهله .

هذه ليست كلمات نثرية لديوان قادم بنصوصه المشتقة من حالات متباينة، ولا تدوينة «فسبوكية» على حائط افتراضي يملؤه الحزن أو الشوق والحنين ، بل اختصار لمعنى واحد في وجه ذاك الطفل الملطخ بالتهجير القسري والكفاف المبرمج من وحوش المطامع وديناصورات المال ومصاصي الدماء والأحلام معًا ، نظرات أقوى من صواريخ «إم كيه -82» المزودة بفيوز توقيتي وصدامي الذي يقدر بنصف طن وتصل دائرة تأثيره تصل 365 مترًا ، وأكثر أثرًا من القنابل الذكية ، في براءة تقف حائلًا أمام أوطان عديدة تتحدى كل ما يصنعه البشر.

معزوفة حزينة بأوتار مقطوعة أعيد ترميمها ليكتمل اللحن، بعد أن وقف عند سلم الأمنيات ، كم من رؤؤس انحنت مع أغنيات المساء واكتمال رائعة باخ وبتهوفن وموزارت ، للأخير في سلم صول الصغير وكارمينا بوانا للموسيقي كارك أورف ، وفي قصيدة سوناتا لشكسبير والموت لجون دون والمواكب لجبران خليل جبران وقصيدة أحن إلى خبز أمي للشاعر محمود درويش ، وكم من الآهات خرجت من معاناة أم شاهدت رضيعها يكبر في مخيم جباليا أو دير البلح وغيرها ويكبر في صمت منعزلاً عن عالم كان يومًا جدير به ويستحقه.

لم نرسم خطاً محايدًا للدمع عندما نرى الغرابة في عيون طفل وهو يمسك بحافة غطاء يحوله إلى نافذة للوجع وعين لمستقبل من عدم وصرخات تستعيد من خلالها ذاكرة إنسان ، طفل لا يفقه من الحروب، وهو لم يخبر من الحياة إلا كيف يأكل من طعام تعده أمه وكيف يلعب بالقرب من أبيه وسط حركشات إخوانه في بيتهم الصغير ، صورة جعلها الغول نشازاً ورسم في معالمها ثقوب وأنفاق مظلمة لمستقبل أجيال ترغب الحياة ، فلسفة الموت أقل وطأة من الاغتيال المبكر واحتراق الطفولة العن من الصراعات والدماء، فكم نحتاج لتوقيت يعيد بوصلة الحياة، يلغي ما عرفته البشرية منذ زمن ابن الرومي ولم يتغير إلى يومنا الحاضر.«متى نعش فبِلى الأحياء يدركنا .. وإن نمت فبِلى الأموات يقفونا»
ابن الرومي

شاهد أيضاً

نَحْنُ شُطَّارٌ فِي اخْتِلَاقِ الأعْذَارِ

باختصار د.علي عاشور قبل أيام قليلة نجحنا نحن الليبيون في ما يزيد عن خمسين بلدية …