بقلم /جمال الزايدي
يعرف علماء الجيولوجيا ، أن لكل زلزال إرتداداته ..ويعرف الساسة أن لكل حدث مفصلي يقع في دولة ما ، توابعه الإقليمية ..خصوصا إذا كان الإقليم بأسره مرتبط بوشائج متداخلة تاريخية ثقافية واجتماعية وسياسية ..ما يحدث في لبنان اليوم لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق العام للمنطقة ككل ـ حتى وإن كانت أسبابه وجذوره محلية صرفة ، متعلقة بطبيعة النظام السياسي الطائفي الذي يحكم الدولة اللبنانية منذ عشرات السنين وحول السلطة فيه إلى إقطاعيات « قروسطوية» يتوارثها الأبناء عن الآباء، ما أنتج في النهاية هذا الكم الهائل من الإحتقان الذي إنفجر على شكل مظاهرات عارمة اكتسحت جل مدن لبنان..
ليس تيليسكوب « المؤامرة» مانحتاجه لفحص مايجري اليوم في لبنان ..فالمؤامرة اهترأت من كثر الاستعمال الشعبوي ، مثلها مثل قميص عثمان الذي نمسح فيه عجزنا – نحن شعوب هذه المنطقة – عن فهم الصيرورة التاريخية التي تسحبنا إلى بئر الاندثار والتلاشي منذ مئات السنين .. وبعيدا عن التشبث بالتفاصيل الخاصة لكل حالة على حدة ، وحتى إذا نجح ملوك الطوائف في لبنان في إخماد جذوة الثورة المستعرة في شوارع وقلوب اللبنانيين ..لايمكننا إذا أردنا وضع إطار للتفسير في محاولة الفهم ، تجاهل حقيقة أن الإقليم الذي يرسم حدوده قوس النار الممتد من صحراء شمال افريقيا إلى الخليج الفارسي قد دخل منذ العام الأول لهذا العقد في طور إنتقالي سيغير من طبوغرافية واقعه السياسي ، بل وسيطال الطبقات العميقة لتركيبته الاجتماعية والثقافية المتجمدة عند نقطة تحول ثوري تم اجهاضها قبل مايقرب من 14 قرنا ..
مقولة ان العالم صار قرية صغيرة ، التي طالما رددناها دون ان نتحسس أثرها في وعينا وتفكيرنا ، صارت اليوم حقيقة نكاد نقبض عليها قبض اليد ..
بالنسبة لدول منطقتنا ، التغيير لم يعد خيارا يندرج في استراتيجية وطنية ترسمها النخبة ولا حتى مطلبا شعبيا يمكن تحقيقه في وعاء زمني مقبول ومرحلي..إنه الآن في هذه اللحظة صار أمرا واقعا وقاسيا كموجة تسونامي كاسحة لن تبقي ولن تذر..
التحولات القادمة ، بل التي بدأت منذ بعض الوقت عمليا ، تأتي إستجابة لخسارتنا في صراعنا مع الاخر ، والذي لايمكن وصفه على أية حال ، بانه منافسة بين تجار في السوق ..انه صراع مفتوح عبر التاريخ وعبر الجغرافية , لذلك لا يمكن وصف وعينا – حتى وان جاء لحظيا وبعد فوات الاوان – بتجلياته وتفاصيله المقززة أحيانا , بأنه متأخر ..فالوعي الجمعي , وعي تراكمي الوصول الى ذروته يستهلك عمر اجيال وسمعة وراحة اعداد هائلة من أبناء الجماعة الذين تقع على عاتقهم مسؤولية الريادة والتنوير..ما نفهمه اليوم =حتى وان كان ثمنه درس قاس افقدنا الامان والاستقلال والأمل= قد يفيد الاجيال القادمة وهي تخوض جولة جديدة في حرب استعادة الذات من ضياع صنعه انعدام الوعي وضعف النخبة واطماع الاخر..