منصة الصباح

«‬كتاب‭ ‬جديد‭ ‬لعارف‭ ‬الساعدي‮»‬

نافذة

بقلم /محمد‭ ‬الهادي‭ ‬الجزيري
مرّات‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬مربد‭ ‬الشعر‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ..‬وعرفت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬ولكنّي‭ ‬لا‭ ‬أتذّكر‭ ‬الوجه‭ ‬الجميل‭ ‬لعارف‭ ‬الساعدي‭ ..‬متى‭ ‬وأين‭ ‬التقينا‭ ‬؟‭ ..‬أعرف‭ ‬فقط‭ ‬أنّي‭ ‬مفتون‭ ‬بما‭ ‬يكتب‭ ‬هذا‭ ‬الفتى‭..‬سيمضي‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ..‬الصداقات‭ ‬والنضالات‭ ‬والذكريات‭ ‬وتبقى‭ ‬فقط‭ ‬القصيدة‭ ..‬فهي‭ ‬سبب‭ ‬صراعنا‭ ‬الحميمي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الظفر‭ ‬بما‭ ‬تمنّ‭ ‬به‭ ‬علينا‭ ‬من‭ ‬شعر‭..‬والواضح‭ ‬أنّ‭ ‬الشاعر‭ ‬العراقي‭  ‬يعي‭ ‬جيّدا‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬فهو‭ ‬مهووس‭ ‬بقصيدته‭ ‬إلى‭ ‬حدّ‭ ‬الذوبان‭ ‬فيها‭ ‬والتلاشي‭ ..‬وأدرك‭ ‬أنّ‭ ‬مستقبلا‭ ‬كبيرا‭ ‬في‭ ‬انتظاره‭ .. ‬
آدم‭ ‬هذا‭ ‬الطائر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يطير‭..‬في‭ ‬قصيدة‭ ‬أهدت‭ ‬عنوانها‭ ‬للكتاب‭ : ‬“‭ ‬آدم‭ ‬الأخير‭ ‬“‭ ‬يذكر‭ ‬الشاعر‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭ ‬في‭ ‬سطور‭..‬ويمرّ‭ ‬بخير‭ ‬من‭ ‬عرفنا‭ ..‬الرسل‭ ‬الذين‭ ‬كذبناهم‭ ‬وقاتلناهم‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬أكرمناهم‭ ..‬والحديث‭ ‬طويل‭..‬فثمّة‭ ‬خلائق‭ ‬شاهدناهم‭ ‬وصادفناهم‭ ‬في‭ ‬مسيرتنا‭ ‬الطويلة‭ ..‬من‭ ‬ضمنهم‭ ‬صعاليك‭ ‬غلاظ‭ ‬وملوك‭ ‬ناموا‭ ‬نومتهم‭ ‬الأخيرة‭ ‬وافترشوا‭ ‬الرمل‭ ‬والتراب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فعلوا‭ ‬بنا‭ ‬وفينا‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ..‬،‭ ‬والسؤال‭ ‬المرّ‭ ‬الذي‭ ‬يطرحه‭ ‬الشاعر‭ ‬على‭ ‬آدم‭ ‬المنذور‭ ‬للموت‭ ‬والهباء‭ ..‬،‭ ‬سؤال‭ ‬من‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬حيلة‭ ‬أو‭ ‬حجر‭ ‬أو‭ ‬مفتاح‭ ..‬وليس‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬الخرب‭ ‬فكرة‭ ‬أو‭ ‬نبوءة‭ ‬يطيّرُ‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬المخلوق‭ ‬ليطير‭… ‬ولكنه‭ ‬مشدود‭ ‬لهذه‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬جنّته‭ ‬وجحيمه‭ …..‬
“‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬وقت‭ ‬فيه
قد‭ ‬مللنا
رغم‭ ‬أنّ‭ ‬الرمل‭ ‬لم‭ ‬يجرحْ
ولكنّا‭ ‬مللنا
أنبياء‭ ‬كثرٌ‭ ‬قد‭ ‬جاورونا
وصعاليك‭ ‬عتاة
وملوك‭ ‬عرفوا‭ ‬النوم‭ ‬هنا
وافترش‭ ‬الرمل‭ ‬طغاة
آدم‭ ‬استعجل
بماذا‭ ‬سوف‭ ‬تغريك‭ ‬الحياةْ
لم‭ ‬يكن‭ ‬يسمعهم‭ ‬آدم‭ ‬
لكنّ‭ ‬الطريق‭ ‬الآن‭ ‬للموت‭ ‬قصير
آدم‭ ‬طير
ولكن‭ ‬لا‭ ‬يطيرْ‭..‬”
في‭ ‬قصيدة‭ ‬مهداة‭ ‬“‭ ‬إلى‭ ‬الصديق‭ ‬الشاعر‭ ‬العماني‭ ‬الجميل‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬العريمي‭ ‬“‭ ‬بعنوان‭ ( ‬سوف‭ ‬تأتي‭ ) ..‬ننصت‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬استحضاره‭ ‬لكلام‭ ‬صديقه‭..‬فممّا‭ ‬ذكره‭ ‬أنّ‭ ‬الكتابة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ ‬تحت‭ ‬شعاع‭ ‬الشمس‭ ..‬فلابدّ‭ ‬أن‭ ‬تنأى‭ ‬بها‭ ‬عن‭ ‬بهرة‭ ‬الأضواء‭ ‬وعن‭ ‬ضرّتها‭ ‬المسمّاة‭ ‬الأسرة‭ ‬تلك‭ ‬المحبّبة‭ ‬للنفس‭ ..‬فالقصيدة‭ ‬لعوب‭ ‬تأتي‭ ‬لمن‭ ‬ينتظرها‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬كلّ‭ ‬ما‭ ‬ذكرت‭ ..‬ومن‭ ‬ينسى‭ ‬الوقت‭ ‬ويعدّ‭ ‬لها‭ ‬شركا‭ ‬مناسبا‭ ‬لغرورها‭ ‬ولائقا‭ ‬بجموحها‭ ..‬ساعتها‭ ‬ترفل‭ ‬القصيدة‭ ‬بين‭ ‬يديك‭ …‬وأعتقد‭ ‬أنّ‭ ‬الشاعر‭ ‬صادقا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬نقل‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬عبد‭ ‬الله‭ ‬العريمي‭ ..‬فالشاعر‭ ‬يشرح‭ ‬وصية‭ ‬صديقه‭ ..‬وقد‭ ‬كان‭ ‬مخلصا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬ذهب‭ ‬إليه‭ :‬
“‭ ‬أنت‭ ‬تنسى‭ ‬ـ‭ ‬هكذا‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬ـ‭ ‬
بأنّ‭ ‬القصيدة‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تُحبّ‭ ‬النهار
ولا‭ ‬الضوء‭ ‬والعائلةْ
فانتظرها‭ ‬إذا‭ ‬زحف‭ ‬الليل‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الليل‭ ‬
وهيّأ‭ ‬لها‭ ‬شركا‭ ‬دافئا‭ ‬
وسريرا‭ ‬معدّا‭ ‬على‭ ‬شفة‭ ‬الطاولةْ
وكن‭ ‬حذرا‭ ‬حين‭ ‬تأتي
وإن‭ ‬ذهبت‭ ‬لا‭ ‬تصافح‭ ‬أصابعها‭ ‬الناحلة‭ ‬“
نختم‭ ‬بما‭ ‬بدأه‭ ‬عارف‭ ‬الساعدي‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬صافي‭ ..‬وأعني‭ ‬قصيدته‭ ‬الأولى‭ ‬المعنونة‭ ‬“‭ ‬ماذا‭ ‬صنعنا‭ ‬“‭ ‬فقد‭ ‬فسّر‭ ‬كلّ‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬خاتمتها‭ ‬وقال‭ ‬ما‭ ‬يُصعب‭ ‬قوله‭ ..‬فقد‭ ‬تغيّر‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أنكرنا‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يعرفنا‭ ‬أو‭ ‬يصغي‭ ‬إلينا‭ ..‬كما‭ ‬أمسى‭ ‬وضع‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المتاهة‭/ ‬الأرض‭ ‬مهينا‭ ..‬غريبا‭ ‬وباهتا‭ ..‬وقد‭ ‬تشعبت‭ ‬الطرق‭ ‬ولم‭ ‬نعد‭ ‬ندري‭ ‬أيّ‭ ‬طريق‭ ‬نسلك‭ ..‬والأغرب‭ ‬أنّ‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬نكره‭ ‬ونرفض‭..‬قد‭ ‬تناسلت‭ ‬بين‭ ‬أيدينا‭ ‬البريئة‭ ‬من‭ ‬كلّ‭ ‬دم‭ ..‬فماذا‭ ‬نفعل‭ ‬بل‭ ‬ماذا‭ ‬نصنع‭ ..‬؟‭…. ‬
“‭ ‬الوقت‭ ‬غير‭ ‬الوقت
والأرض‭ ‬البسيطة‭ ‬صعبة‭ ‬صارت
وها‭ ‬هي‭ ‬قد‭ ‬تشابكت‭ ‬الدروب
وتناسلت‭ ‬عبثا‭ ‬على‭ ‬يدنا‭ ‬الحروبُ
كم‭ ‬من‭ ‬نبيّ‭ ‬سوف‭ ‬تحتاج‭ ‬المدينة‭ ‬يا‭ ‬إلهي
لا‭ ‬بدّ‭ ‬من‭ ‬خطط‭ ‬جديدة
حتّى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬القصيدةْ‭ ‬“
ويبقى‭ ‬الشاعر‭ ‬عارف‭ ‬الساعدي‭ ‬من‭ ‬أقرب‭ ‬التجارب‭ ‬إلى‭ ‬نفسي‭..‬فهو‭ ‬يكتب‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه‭ ‬بوضوح‭ ‬أو‭ ‬بشفافية‭ ‬مربكة‭..‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬ليس‭ ‬ظاهرة‭ ‬مثل‭ ‬عديد‭ ‬الظواهر‭ ‬التي‭ ‬تتناسل‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬أدوات‭ ‬التواصل‭ ‬الحديثة‭ ..‬ثمّ‭ ‬وبصرف‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مجموعته‭ ‬الشعرية‭ ‬“‭ ‬آدم‭ ‬الأخير‭ ‬“‭ ..‬يبشّر‭ ‬بقوّة‭ ‬ببزوغ‭ ‬نجم‭ ‬شعري‭ ‬في‭ ‬العراق‭……….. ‬




شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …