منصة الصباح

الدم‭..!‬

إطلالة

بقلم /جمال‭ ‬الزائدي

عبارة‭ ‬ما‭ ‬انفك‭ ‬أرددها‭ ‬منذ‭ ‬ولجنا‭ ‬صحراء‭ ‬التيه‭ ‬الوطني‭..‬ولست‭ ‬أدري‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬قرأتها‭ ‬عن‭ ‬احدهم‭ ‬أم‭ ‬أنها‭ ‬محض‭ ‬فكرة‭ ‬خطرت‭ ‬في‭ ‬الخيال‭ ‬و‭ ‬لا‭ ‬أساس‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ..‬تقول‭ : ‬إن‭ ‬الدم‭ ‬وقود‭ ‬عربة‭ ‬التاريخ‭ ‬ومفتاح‭ ‬شيفرة‭ ‬التقدم‭ ‬والتطور‭ ..‬ففي‭ ‬اعتقادي‭ ‬أن‭ ‬الحروب‭ ‬الأهلية‭ ‬والزلازل‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬ضريبة‭ ‬لا‭ ‬مفر‭ ‬من‭ ‬دفعها‭ ‬لإحداث‭ ‬التغيير‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬الوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬لدى‭ ‬الشعوب‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬وجهة‭ ‬ثابتة‭ ‬لمسيرتها‭  ‬وصيغة‭ ‬مستقرة‭ ‬لهويتها‭ ..‬هناك‭ ‬أمثلة‭ ‬ثرية‭ ‬يصعب‭ ‬الإحاطة‭ ‬بها‭ ‬جميعا‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬يبدو‭ ‬المثال‭ ‬الأكثر‭ ‬بلاغة‭..‬اقتحام‭ ‬الجماهير‭ ‬لمسرح‭ ‬التاريخ‭ ‬كما‭ ‬يعبر‭ ‬“‭ ‬غوستاف‭ ‬لوبون”‭ ‬كان‭ ‬نقطة‭ ‬فاصلة‭ ‬بين‭ ‬عصرين‭ ‬ظهرت‭ ‬خلالهما‭ ‬فرنسا‭ ‬الجديدة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قدمت‭ ‬ثمنا‭ ‬فادحا‭ ‬من‭ ‬بشاعات‭ ‬الثورة‭ ‬1789‭ ‬إلى‭ ‬كومونة‭ ‬باريس‭..‬
في‭ ‬مقاربة‭ ‬الحالة‭ ‬الليبية‭ ‬المستغرقة‭ ‬في‭ ‬سديم‭ ‬لا‭ ‬متناه‭ ‬من‭ ‬الاضطرابات‭ ‬والحروب‭ ‬الكبيرة‭ ‬و‭ ‬الصغيرة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عجاف‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬استعارة‭ ‬القوانين‭ ‬العامة‭ ‬المستخلصة‭ ‬من‭ ‬تجارب‭ ‬الآخرين‭ ‬وتطبيقها‭ ‬ولو‭ ‬نظريا‭ ‬على‭ ‬تفاعلات‭ ‬المشهد‭ ‬المحلي‭..‬وبالتالي‭ ‬لن‭ ‬نعرف‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الثمن‭ ‬الذي‭ ‬دفعناه‭ ‬ومازلنا‭ ‬سندفعه‭ ‬لعقود‭ ‬قادمة‭  ‬،‭ ‬قد‭ ‬كان‭ ‬مناسبا‭ ‬وعادلا‭ ‬بالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬سنجنيه‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ .. ‬ولن‭ ‬نعرف‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬قد‭ ‬استفدنا‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الدماء‭ ‬والمعاناة‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬عربتنا‭ ‬على‭ ‬سكة‭ ‬التاريخ‭ ‬أم‭ ‬أننا‭ ‬لم‭ ‬نغادر‭ ‬محطة‭ ‬الانطلاق‭ ..‬
هذه‭ ‬الصعوبة‭ ‬سببها‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬التأثير‭ ‬الكبير‭ ‬للعامل‭ ‬الخارجي‭ ‬المتداخل‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬عضوي‭ ‬ومعقد‭ ‬مع‭ ‬تفاعلات‭ ‬الصراع‭ ‬الداخلي‭ ..‬لكنها‭ ‬بالأساس‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬الطبيعة‭ ‬البدائية‭ ‬للمادة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬الليبية‭ ..‬هنا‭ ‬حيث‭ ‬القبيلة‭ ‬–‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬أقدم‭ ‬أشكال‭ ‬الاجتماع‭ ‬البشري‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬–‭ ‬مازالت‭ ‬تحكم‭ ‬الولاءات‭ ‬والقناعات‭ ‬وترسم‭ ‬خطوط‭ ‬التماس‭ ‬السياسي‭ ‬بل‭ ‬تعيد‭ ‬صياغة‭ ‬الايدويوجيات‭ ‬والأفكار‭.. ‬في‭ ‬ثقافة‭ ‬القبيلة‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬اخطر‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬الجماهير‭ ‬التي‭ ‬يحتقرها‭ ‬“لوبون”‭ ‬بسبب‭ ‬أن‭ ‬روح‭ ‬الجماهير‭ ‬مكونة‭ ‬من‭ ‬الانفعالات‭ ‬البدائية‭ ‬التي‭ ‬دائماً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬المنطق‭ ‬والعقلانية‭..‬فالقبيلة‭ ‬كتلة‭ ‬صماء‭ ‬مغلقة‭ ‬على‭ ‬ذاتها‭ ‬،‭ ‬وهي‭ ‬مع‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬أفرادها‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬سلوكهم‭ ‬بل‭ ‬والتأثير‭ ‬في‭ ‬محيطها‭ ‬،‭ ‬محصنة‭ ‬عن‭ ‬التأثر‭ ‬والتغير‭ ‬إلا‭ ‬تحت‭ ‬ظروف‭ ‬تاريخية‭ ‬قاهرة‭ ‬تطال‭ ‬نواتها‭ ‬الصلبة‭ .. ‬والقبيلة‭ ‬في‭ ‬ليبيا‭ ‬ليست‭ ‬حقيقة‭ ‬مادية‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬بالمعنى‭ ‬الاجتماعي‭ ‬،‭ ‬لكنها‭ ‬حقيقة‭ ‬ثقافية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالذهنية‭ ‬القاعدية‭ ‬لليبيين‭ ‬كأفراد‭ ‬ومجموع‭..‬لذلك‭ ‬تجد‭ ‬ان‭ ‬مدنا‭ ‬باسرها‭ ‬لاعلاقة‭ ‬لها‭ ‬بالمدنية‭ ‬الا‭ ‬كمظهر‭ ‬خارجي‭ ‬سرعان‭ ‬مايتكشف‭ ‬زيفه‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬السلوك‭ ‬والعلاقات‭

شاهد أيضاً

فتح أبواب المدارس أيام السبت لطلبة شهادتي الأساسي والثانوي

  الصباح وجه وزير التربية والتعليم موسى المقريف اليوم كتابا الي مراقبي الوزارة بالبلديات، وجه …