جمعة بوكليب
زايد…ناقص
يوم عالمي لليوم العالمي
من المؤكد، أن العنوان أعلاه،لا غموض يعتريه ولا لَبس. ووضوحه، على النحو الوارد، وفي هذا الوقت، قد يثير استغراب البعض أو استهجانهم.
كونه ظاهرياً يُبدي نبرة موشّاة بما يمكن أن يعتبرونه تهكّماً أوسُخرية، من ظاهرة الاحتفاء بالأيام العالمية وما تمثله. وهو ما لم أقصده.
لكن ما دمنا تطرقنا إلى ذلك، لابأس من الاعتراف، أو بالأحرى، من الشكوى بصوت مسموع للجميع، من “سريب” الاحتفال بالأيام العالمية، ونظيراتها على المستوى المحلي في مختلف البلدان. ذلك أنّها، مؤخراً، في رأيي، “زادت شوية” عن الحد المعقول والمقبول، وبشكل، في بعض الأحيان، قد لا يطاق إلى درجة الاستفزاز، بل وربما يجعلني شخصياً أستريب، كثير الأحيان، في الهدف المقصود من ورائها.
وإذا كان كثرةُ العدد ايجابية في بعض الأمور، فإنها في أمور أخرى، ومن ضمنها هذا الأمر، تعدّ سلبية جداً. فالأيام المسماة عالمية، والمطلوب من شعوب العالم الأحتفاء بها، صارمن الصعب عليَّ، في السنوات الأخيرة، عدّها وحصرها، فما بالك بأمر تذكرها ومتابعتها. ودع عنك مسألة رصدها وترقّبها بغرض استقبالها، والأحتفاء بها أو إحيائها.
فالمرءُ منّا، في هذه الأزمان العجيبة، مهما أُوتيَ من صبرٍ وحكمة، ومهما أحتفظ في مساحات قلبه من هوامش صغيرة، تستوعب المناقب المتعددة لفضيلة التسامح، لا يمكنه، بأي حال، في رأيي، وسط مشاغل هذه الدنيا الكثيرة، ومهما حاول، أن يجد وقتاً كافياً حتى لحكّ شعر رأسه، فما بالك وهو يُثقل، كل حين وآخر، بمولد يوم جديد، سواء أكان ذلك على المستوى العالمي أو الوطني، للاحتفاء بشيء ما. وعليه أن يتذكره، حتى لا يقع في فخ الالتباس بين يوم وآخر. وعلى سبيل المثال لا الحصر، أن يعتقد، مثلاً، أن ذلك اليوم مخصص للاحتفال عالمياً بمناهضة الصهيونية والعنصرية، فإذا به يكتشف أن مناهضة العنصرية والصهيونية، خرجا منذ زمن من دائرة المناهضة، بعد التطبيع بين اسرائيل وعديد من الدول العربية. وأن الصهيونية والعنصرية قد أعيد طلاؤهما من جديد، منذ وقت مضى، بألوان زاهية وبرّاقة. وأن الصهيونية خصوصاً لم تعد تناهض، بل قد يُجرّم من يناهضها، وقد تلاحقه تهمة معاداة السامية!! وبدل الاحتفاء بذلك اليوم السالف ذكره، حلَّ مستقراً بيننا يومٌ عالمي آخر، لغرض آخر. وإن استفسر المرء عن الهدف من الاحتفاء به، قيل له إن المعنى في بطن الشاعر. وحتى لا أُتهم بالمبالغة، أرجو منكم أن تعيدوا النظر في الروزنامة السنوية، ولاحظوا عدد الأيام العالمية الموجب الاحتفاء بها، لمختلف الأغراض، وبالذات ما أستجدّ منها في السنوات الأخيرة. وزاد الأمر سؤاً بانتقال العدوى إلى الروزنامات المحلية الوطنية. فتجد في كل بلد قد ابتدعوا أياماً أخرى، مضافة للأيام العالمية، للاحتفاء أو لإحياء مناسبات جديدة وكثيرة.
ويحضرني، في هذا السياق، مثل شعبي يقول:” كثرة الأصحاب تودر أخيارهم.” بمعنى أن الاحتفالات بما يُسمّى (أيام عالمية) أضحت من الكثرة بحيث أنها فقدت زخمها وبريقها، كمن يكثر أصحابه، فلم يعد يعرف أيهم الأجدر بالصحبة، وأيهم الأوجب بالثقة، وأيهم الأوّلى بالمشورة والنصيحة.
وتفسيري الشخصي، هو أنه إذا كان الهدف الأساسي والأصلي في البداية، من وراء فكرة الاحتفاء بأيام عالمية، كان بنيّة حسنة جداً، تهدف إلى خلق وتوحيد رأي عالمي في كل القارات والبلدان، وتحشيده لدعم قضية، أو قيمة انسانية نبيلة، فإن عرضه، في السنوات الأخيرة ، على هذا النحو الفجّ، ليس بنيّة حسنة، كما قد نعتقد خطأ، وربما يأتي برد فعل معاكس. والله من وراء القصد.