منصة الصباح

ورقة بيضاء

ينطلـق سـؤال الفنـان التشـكيلي »محمـد الـزواوي» الكونـي مـن محيطـه، مـن ذاكرتـه المزدحمـة بصـور الوجــوه والأماكــن والأشــياء مــن حولــه، ليعبــر مــن خــال تجســيدها فــي لوحــات فنيــة ســاخرة عــن موقفـه الإنسـاني بلغـة جميلـة يتقنهـا الجميـع بتفـاوت ثقافاتهــم، فلوحــات محمــد الــزواوي لا تحتــاج لقلــم جــاف يعبــر عنهــا، ريشــته فقــط كفيلــة بمخاطبــة متلقيــه، كفيلــة باســتنطاق الصــورة.. ريشــة الــزواوي تتجـاوز المفهـوم الضيـق للغـة لتتواصـل مـع مختلـف الشــرائح بكافــة فئاتهــا الســنية.

يقــوم مشــروع  »محمــد الــزواوي » الفنــي علــى تجريـد الصـورة مـن المؤثـرات الخارجيـة التـي يـرى فـي وجودهـا البعـض إثـراء للوحـة مـن الوجهـة الفنية، مشــروع الــزواوي يتأســس علــى اختــزال الواقــع فــي أقســى صــوره فــي لوحــة بســيطة التركيــب ومربكــة مـن حيـث المعنـى؛ فأبطالـه يحتفظـون بملامـح منهكة رغـم ابتسـامة البعـض وعبـث الآخـر، كمـا أن شـوارعه المزدحمــة يحاصرهــا الخــوف، والأشــياء مــن حولــه تحتفـي بالفوضـى، فهـو يبحـث عـن اسـتفزاز الظـلام فــي محيطــه وإظهــاره بشــكل ســاخر، عــن اســتفزاز التخلــف فــي تقاليــد المجتمــع، عــن فاشــية الرجــل تجــاه المــرأة فــي المؤسســة الزوجيــة، عــن انتهازيــة المســؤولين فــي الدولــة، عــن العبــث الــذي يطوقــه مــن كل جانــب.. الــزواوي يســتدرج كل هــذه النمــاذج إلـى داخـل لوحاتـه ويقدمهـا فـي شـكل سـاخر ليـس لإضحـاك النـاس وإنمـا ليعلـن عبـر ريشـته عـن موقفه الرافـض لـكل هـذه الممارسـات المتخلفـة، مـن هنـا تجســدت قيمــة أعمالــه، فنحــن الآن نتحــدث عــن ممارســة فنيــة قامــت ضــد الممارســات المتســلطة والمتخلفـة بـأدوات نوعيـة، عـن رؤى فكريـة متحـررة تقودنـا لإيجـاد مظهـر مدنـي مميـز لممارسـة التمـرد والرفــض.

فــي معظــم لوحاتــه يحــرص » الــزواوي » علــى تحديــد هويــة الجــلاد عبــر تشــكيل هيئتــه والــزي الــذي يرتديــه لتحديــد مصــدر الفســاد أو مصــدر الممارســات المتخلفــة، فالجــلاد فــي لوحــة » خزنــة المال العام » يرتــدى بــدلا رسمية كإشارة لمرجع الفســاد المتمثــل فــي الفســاد الإداري المتعلــق بسياســات العمــل، عكــس مــا نجــد عليــه هيئتــه فــي اللوحــات التــي تســخر مــن الممارســات الاجتماعيــة التــي يحضــر فيهــا الــزي التقليــدي (المحلــي) كرمــز لمرجــع مختلــف للفســاد، فاللوحــات التــي تجســد قمــع الــزوج للزوجــة وهــي كثيــرة فــي مدونــة » الــزواوي » يرتــدي فيهــا الرجــل الــزي التقليــدي ، وتختبـئ الزوجـة وراء لباسـها التقليـدي ، وهـي إحالـة مباشـرة إلـى قصـور فـي الثقافـة المؤسسـة للتقاليـد والأعــراف المتعلقــة بالمــوروث المحلــي، فالــزي لـم يكـن هدفـا فـي ذاتـه للسـخرية، الهـدف الحقيقــي يتعلــق بمــن يتســترون بــه لاكتســاب ســلطة علــى الآخــر ، الــزي التقليــدي فــي المجتمــع الــذي يســتهدفه الــزواوي يشــكل الإطــار الرمــزي لوجهــة نظــر اللوحــة مــن خــلال حضورهــا المــزدوج فــي طرفـي المعادلـة (الجـلاد والضحيـة)، فكمـا تُظهـر لوحــات الــزواوي ســطوة الرجــل بردائــه التقليــدي )على سبيل المثال)، تبــرز أيضــا انكسار المـرأة واضطهادهـا بردائهـا التقليـدي أيضـا، المرأة التي تطوقهــا الأقمشــة مــن كل الجوانــب أثنــاء التصويــر وفـي رحلاتهـا البريـة والبحريـة حتمـا هـي نتـاج ثقافـة قمعيـة ومـوروث دونتـه العقليـة الذكوريـة التمييزيـة .

شاهد أيضاً

موسى يؤكد ضرورة سرعة ودقة إدخال بيانات الحجاج للمنظومة الإلكترونية

أكد منسق المنطقة الوسطى أ (مصراتة – زليتن – الخمس – مسلاتة) علي محمد موسى …