فتحية الجديدي
ظلّ ساكتًا لوقت تجاوز معه لوحات كثيرة من المدينة وقفز على لحظات كثيرة يمكن أن تكون جميلة, بينما هي خرست مع صمته غير المعتاد ، لم يكن كعادته في مقابلة حبيبته الصاخبة والمقبلة على مجازفات لا تنتهي, وتحمل نسبة لا بأس بها من المخاطر ، ورغم مخاوفه, إلا أنها تحتال على المساء وترمي نفسها بين أحضانه لتفوز بتلك اللحظات التي تجمعهما معًا.
على غير عادته هذه المرة, افتقد بعضاً من الحماسة المتقدة, ولم يكن مفعماً وخفيف الظل, بل كان شارد الذهن لا يحمل من دعاباته شيئًا وأراد أن يتحول إلى دبلوماسي في طبعه تلك الليلة, محاولًا الدخول في متاهات مغلفة بعاطفة تحميه من قحول روحه, التي طالما حملت الكثير منه وانعكست على امرأته الشغوفة به, والتي تسرق من يومه ما تيسر لها لتتحول إلى شريكة المساء, ترضى بما تيسير لها من وقت لتكون ملكة فيه, وتعتبر ما فات من اليوم ليس حقاً لها, مقابل ساعات تملكها به بحذافيرها.
لم تسأله عن سبب صمته, رغم أنها استنكرته, رضيت بإجابة تولدت داخله من أن صمته يعود لخوفه عليها من الأجواء الملبدة بشوشرة أمنية ووضع عام غير مستقر ، كان محتالاً في تصرفه كاحتياله اللذيذ في مشاعره وهو يعي جيدا أن وضعه الاجتماعي لا يسمح له بمغادرة إطاره إلا بما تحققه له تلك الحبيبة المختلفة بالنسبة له ، كما صوّر لها بحدة عباراته وتقاطيعه القاسية وهي تنظر له بتمعن شديد بين الفينة والأخرى أرادت أن تصرح بأسئلتها المسكوت عنها ، لكنها فضلت أن تنعم بدفئه ولا تفقد المزيد منه ، سرعان ما أوشك وقتهما على الانتهاء حتى طلبت منه المغادرة لتمضي الليلة دونه ، لم يتردد رغم محاولة عينيها المسكونتين بحبه ، فأكملت التفاصيل بمفردها بتعويض خارج مربع الحب في غرفتها الجامدة ومع قلبها المجنون وظل السؤال عالقًا .
هل تملك الحبيبة أكثر من نصف المساء ؟ وهل تستطيع اللحظات منح وقت إضافي لحالات العشق ؟ وهل الرجل يسمح بالمزيد وإن طال ذلك بيته ؟، أم أنه يصادر العاطفة مقابل الاستقرار في وضع طبيعي ؟ أم أن الطبيعة تخالف ما يعترينا ويكفي أن نحب !