منذ أيام والعالم مشغول بتفاصيل التصعيد العسكري في الشرق الأوسط، حيث المواجهة المفتوحة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقوات العدو الإسرائيلي، والتي وصلت لنقطة غير مسبوقة، خاصة مع تبادل الضربات الصاروخية التي طالت العمق الإسرائيلي لأول مرة منذ سنوات.
هذه الأحداث لم تمر مرور الكرام على الشعوب العربية، والشعب الليبي على وجه الخصوص، حيث عبر كثير من الليبيين -عبر كتاباتهم وتعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي- عن موقف شعبي واضح يميل إلى تأييد إيران في هذه الحرب، رغم تعقيداتها الإقليمية والدينية والسياسية.
هذا الموقف الشعبي لا ينبع من اتفاق عقائدي مع إيران المسلمة الشيعية، بل من نظرة واقعية للصراع القائم، حيث يرى الليبيون أن إسرائيل تمثل العدو الأول للعرب والمسلمين، وأن إيران – برغم خلافاتها مع كثير من الدول العربية – تقوم الآن بما عجزت عنه كثير من الدول، وهو الرد على الغطرسة الصهيونية والدفاع عن الشعب الفلسطيني.
في نظر الليبيين، لا يمكن لأي عربي أو مسلم أن يقف محايداً أمام ما يتعرض له الفلسطينيون من إبادة جماعية متواصلة منذ ما يقرب من عامين، القتل، الحصار، التجويع، تدمير البنية التحتية، استهداف المستشفيات والمدارس والمساجد، ومنع الغذاء والدواء…. كل ذلك يحدث في وضح النهار على مرأى ومسمع من العالم، بينما القوى الكبرى تلتزم الصمت أو تؤيد قوات الاحتلال في كل خطواتها.
لهذا جاء تأييد الليبيين، بل وغالبية الشعوب العربية والإسلامية لإيران التي يرون أنها تخوض هذه المواجهة نيابة عن أمة بأكملها تخلت عنها الأنظمة وخذلتها المؤسسات الدولية، ورغم الخلفية المذهبية الشيعية لإيران، إلا أن الكثير يرون أن موقفها هذا أضاء بريق أمل في أن هناك من يجرؤ على التصدي للهيمنة الإسرائيلية، ويرد عملياً على العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الشعب الفلسطيني الصامد.
الواقع أن دعم إيران لم يقتصر على الشعوب، فقد حصلت على مساندة واضحة من دول كبرى مثل روسيا، ودعم استخباراتي من باكستان، ومواقف متقدمة من الصين…. ولعل دولاً أخرى تدعمها في الخفاء. في المقابل، أظهرت الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، انحيازاً معلناً لإسرائيل، لا سيما بعد وصول الصواريخ الإيرانية إلى يافا وحيفا.
مجموعة السبع في اجتماعها الأخير بكندا، أكدت دعمها لإسرائيل، معتبرة أن من حقها الدفاع عن نفسها، متجاهلة حقيقة أن إسرائيل هي من بدأت بالهجوم على منشآت إيرانية قتل على إثرها قادة وعلماء إيرانيين، وأن ما يجري الآن هو نتيجة منطقية لسياسة عدوانية مستمرة منذ عقود.
ولكن أين كان المجتمعون الغربيون عندما قتل العدو الإسرائيلي المدنيين الفلسطينيين وحاصرهم ولايزال؟ لماذا لا تذكر حقوق الإنسان حين تكون الضحية فلسطينياً؟ ولماذا يجرم الرد حين يأتي من طرف مسلم… بينما يبرر العدوان إذا كان من طرف إسرائيل؟
ليست القضية في من يقاتل أو من يتحدث باسم من، بل في مبدأ العدالة المفقودة، وسياسة الكيل بمكيالين التي تتعامل بها تلك الدول الكبرى، والتي يعرفها الشعب الليبي جيداً.
الليبيون الذين عانوا من ويلات الحرب والصراع، يعرفون تماماً معنى الظلم والصمت الدولي، ولذلك فهم يتفاعلون اليوم مع ما يجري ليس من منطلق طائفي أو سياسي، بل من باب الشعور بالمسؤولية تجاه قضية عادلة طالما اعتبرت مركزية في ضمير الأمة الليبية.
وفي الوقت الذي تصطف فيه الحكومات الغربية خلف الاحتلال الصهيوني، يبقى موقف الشعوب – وفي مقدمتها الشعب الليبي – شاهداً على أن الحق لا يزال حياً في وجدان الأمة، وأن الأمل بعودة التوازن لا يزال ممكناً، ما دام هناك من يرفض الاستسلام للصمت، ويرى في المقاومة – بكافة أشكالها – طريقاً لكرامة الشعوب..