منصة الصباح

من ورشة الرسم ..تنفتح الحكاية

الرواية الجزائرية ..

بقلم /محمد الهادي الجزيري

لفت انتباهي فوزها بجائزة ” الجزائر تقرأ ” فما كان إلا أن سعيت للاطلاع عليها وكان لي مؤخّرا ما أردت ..وهي رواية ممتعة ومشوّقة رغم قصرها النسبي..كثّف فيها مؤلفها أحمد عبد الكريم أحزانه وأفراحه جملة وتفصيلا … على كلّ سأغوص بكم في أحداث الرواية وأنتقي منها بعض المقاطع الدّالة…

لكلّ حكاية بداية وفي ” كولاج ” تنفتح القصة المطوّلة على ورشة رسم..وفنّان في العقد الخامس من عمره، اسمه عليّ ويقيم ب ” سطيف ” منذ الحرب الأهلية التي اندلعت بالجزائر…وكان اختار المدينة هروبا من اغتيال المثقفين الذي تفشّى آنذاك في ربوع بلد الشهداء .. على كلّ حال رسّامنا مقيم لوحده فقد أرسل زوجته إلى بيت أهلها لتضع مولودا جديدا..، ويقتحم المشهد ضابط ويطلب منه القدوم صبيحة السبت إلى المركز..وتبدأ الرواية…

بعد ليلة من الأرق ..يقوده الضابط إلى كائن أجنبي هو السيد نافري ..متخصّص في البحث عن سرقة اللوحات الفنية وتهريب الآثار…وممّا دار بينهما من حديث
باختصار شديد هناك أثر فني اختفى، أو لنقل سرق من متحف آيا صوفيا بمدينة اسطنبول، هو عبارة عن نسخة أصلية من معاهدة تمّت بين البيزنطيين والعرب المسلمين، في العصر العبّاسي، وقد كتبها خطّاط مشهور يسمّى ابن مقلة
فقاطعه عليّ ، وقال له
معذرة سيّد نافري مرّة ثانية، ولكن ما علاقتي أنا بالقضيّة ؟
تعرف السيّد عليّ – قال المحقّق – الشكوك كلّها تتّجه نحو شخص واحد، يبدو أنه كان صديقا لك….

ما عساه يقول للمحقّق نافري الذي جاءه طالبا عونه معتقدا بأنه يملك الحقيقة، وبأنه سيجد عنده إجابات شافية قد تفيده في تحقيقه أو تضيء له بعض ما خفي عليه…

 

في قرارة نفسه كان قد قرّر بأن يصارح نافري بكل هذه الحقيقة التي لا يملك غيرها، حتى وإن كانت غير قابلة للتصديق ، فلا أحد يمكنه أن يصدّق بأنه لا يعرف شيئا من أمر صديقه، ولا يملك أيّة معلومات قد تفيد في التحقيق..وما صديقه عابد الجيلاني إلا صورة من ماض جميل ..تلاشت مع الزمن…

لكن القصّ لا يتوقّف هنا ..بل يجرّه السيد نافري إلى الصحراء حيث تسكن عائلة عابد الجيلالي ولم يترك له فرصة للرفض رغم تحجّجه بالتزاماته الكثيرة، وأعذاره المختلفة..، فيستغلّ الفرصة الراوي لكي يكذّب مزاعم الأجانب في عشق الكثبان ..إذ أنّه يحبّ البحر…يقول الراوي:

في قرارة نفسه تمنّى لو أنه ولد في قصبة الجزائر، أو قرب البحر، لأنه مدرك أنه لولا البترول الّذي في جوف الصّحراء ما التفت إليها مسئول أو زارها وزير، فمعظم سكانها فقراء يعيشون بؤسهم على أرض غنيّة. يكاد يكون ممنوعا عليهم الدّخول إلى بعض المناطق فيها، لأنّها أصبحت قواعد للشركات البترولية الأجنبية، الأمريكية والألمانية والصّينية، ويحتاج الدخول إليها إلى إجراءات أمنية مشدّدة. بينما تحوّلت مناطق أخرى من الصحراء إلى محميات يقصدها أمراء الخليج لصيد الغزال و الحبّار، وصارت محظورة على أهالي الصحراء…

ويتواصل التشويق خلال هذه الرواية فنكتشف أنّ والد نافري أوصاه بأن يحقّق أمنيته التي تتمثّل في زيارة الجزائر لأنّه كان من المقيمين فيها قبل الإستقلال:

ظل والد نافري قبل وفاته يحنّ لزيارة الجزائر، خاصة بعد وفاة زوجته، فقد ضاعفت الوحدة من وطأة الحنين على قلبه، وقد تمنّى أن يتمكن من لقاء العارم حتى يعتذر منها.
وفي فترة مرضه بالسرطان أوصى ابنه نافري بأن يفعل ما بوسعه من اجل أن يحقق له أمنيته….

 

 

 

وفي نهاية الرواية نقرأ تنويها وتنبيها من أحمد عبد الكريم يقول فيه:

أنا مدين بالكثير من الشكر العميق لهذه الأرواح والشّخصيات التي ساهمت في نص هذه الرواية و سكنتها بقوّة حضورها، ولذلك فإنّني أعتذر عن أي تقارب بين ملامحها وملامح أشخاص حقيقيين عرفتهم ، فليس ذلك إلا من قبيل التخييل المحض
غير أن الحقيقة الوحيدة في هذه الرواية هي أن لوحة ” تأبينية أبي علي بن مقلة ” هي لوحة للفنّان التشكيلي والخطّاط الصديق عبدالحفيظ قادري الذي أرفع له كل التحيّة والمحبة والامتنان

شاهد أيضاً

(عن ايام الطباعة نار ورصاص واورام )

زكريا العنقودي انا ولد مطبعة وكبرت من عمري 15 العام بين الحبر والاوراق ، وللعلم …