منصة الصباح

من ناصر المزداوي .. إلى جو ساترياني

نوتة

كتب / د. نورالدين محمود سعيد

(ليس من باب المقارنة) من خلال تأملي الشخصي في ثنايا الموسيقى العالمية “الروك أند رول ” تحديدا وكذلك الموسيقى الأفريقية الجذور “الريغي”، على سبيل المثال، وكذا «السوفت روك»، و»الهارد روك»، و»البلوز» وغيرها، وجدت مجموعة لابأس بها من الأنغام المتشابهة في التركيب داخل بطانة الميلودي نفسه، منسجمة تماما مع موسيقانا العربية في التقاسيم الموسيقية المقامات).

الواقع أن الشباب من الجيل الأخير في موسيقى الروك في العالم، وجدوا ضالتهم في الموسيقى الشرقية العربية منها والأمازيغية، وطوعوها بالوسائط المعاصرة والآلات والتكنولوجيا الحديثة، واستخرجوا شفراتها الجينية وقلبوا بعضها ولابأس في ذلك» في واقع الحال، خصوصا في ظل الحياة المعاصرة والتي بدأت تتعقد من خلال الفكر والفلسفة والأيديولوجيا، تحت صبغة العولمة.

الواقع أنني لاحظت هذا في العديد من الأنغام والأساليب الغربية، وكيف تم تطويع الألحان والمقامات الشرقية، مقام الصبا على الماجور مثلا لا حصرا، وذلك بغية تهذيب الروك حسب رأيي »، وتطويعه من صخب منظم إلى نغم ناعم مستساغ عالمية عند شعوب الأرض قاطبة، وهو ذكاء حاد من الجيل الأخير في موسيقى الروك أند رول. مالميستن، جو ساترياني، ستيف فاي، وغيرهم.

سأضرب مثلا بالموسيقى المحلية أولا، ثم أنتقل إلى التشابه الذي حصل مع النغم في الموسيقى الغربية إن جازت التسمية سأذهب مباشرة إلى الفنان الصديق ناصر المزداوي، وما الذي طرأ على موسيقاه من تغير ملحوظ.

ناصر المزداوي إنطلق بخطى واثقة نحو العالمية منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، وأنتج ألبومه الغربة، كيف جائت التسمية وما الذي أراده ناصر المزداوي تحديدا من وراء ذلك ؟.

أدرك ناصر المزداوي في شبابه المبكر، الفروقات النغمية في الألحان، لأنه بدأ من التراث الليبي المحلي كعازف على آلة العود، ثم انتقل إلى القيتار، وكان أول الأصدقاء الذين سمعتهم في بداية عهدي بسماع الموسيقى الغربية، يدافعون وبشدة على أن آلة القيتار تصميم عربي هو الفنان ناصر المزداوي، ليس بيت القصيد هنا، ولكن أراد المزداوي التخلص من ثقل الإرث القائل بأن في الموسيقى فروقات نغمية عند هذا الشعب وذاك، فعل ذلك، بعد أن امتلأ بالهوية المحلية، لأن الكثير من يعتقد أن الفنان ناصر المزداوي غربي الميول في الموسيقى، وهذا خلل كبير في رأيي، والسبب أن ناصر رأي في الموسيقى إرث إنساني كبير، دون المساس بالهوية بأي شكل من الأشكال، لم يكن المزداوي مقلدة للغرب أبدا لكنه كان يجاريهم بذكائه الخاص، ويتسابق معهم، ليخلق جنس موسيقي آخر مغاير، ففي الوقت الذي كان فيه عالمنا العربي يتطور موسيقية من خلال كوكب الشرق أم كلثوم وعبد الوهاب، وحليم وغيرهم من المبدعين والمؤلفين الموسيقيين الأفذاذ، السنباطي، والموجي وبليغ حمدي، التف ناصر المزداوي في زقاق آخر مغاير، وأراد أن يصنع أسلوبه، في شريط الغربة مثلا، أراد خلق موسيقى عالمية مطعمة بالنكهة العربية الليبية تحديدا، وكان هذا هو السبب في رأيي أيضا للنجاح الملفت للنظر في ألبومه الأول.

استمرت نجاحات ناصر المزداوي في جل مجموعاته الغنائية، وعندما أدرك أن لغة (كلمات( الأغنية مع موسيقى عالمية قد لا تلاقي القبول عند بعض الأذواق، أنتج شريطه الموسيقى الليبية حول العالم في منتصف الثمانينات على ما أعتقد، وقدم الموسيقى الليبية إلى العالم بلمساته، رغم أن الألحان الفنانين ليبين قدامى ومعاصرين، مثل محمد حسن، ومحمد مرشان، وسلام قدري، وغيرهم طعمها بآلات حديثة، فجاءت في منتهى الروعة وعلى القياس العالمي، وهو ابتكار أستطيع أن أقول أنه قد حصل لأول مرة عالميا، لأن لا العرب ولا الغرب قدم أحد فنانيهم موسيقاه على هذه الشاكلة.

سأنوه إلى شيء آخر، أنا لا أعرف بشكل شخصي الفنان وعازف الجيتار، جو ساترياني، وهو عازف جيتار ربما يكون الأفضل عالمية، لا أدري بالضبط، ولكن ذكرته هنا، ليس للمقارنة مع ناصر المزداوي، وليس لأن أحدهم أفضل من الآخر، ولكن لوجه التشابه في الاختيار الموسيقي للصبغات العالمية، ولفكرة وجوب إمكانية انتقال وانتشار الموسيقى التي يؤلفها، كل واحد منهما على أوسع مدى في العالم.

جو ساترياني، بدأ بالروك، الصاخب ذو الانطباع الذي يحمل قلق الروح الإنسانية وأوجاعها والامها، وكيفية التعبير عنه من خلال الموسيقى العالمية المحلية بالنسبة له، ثم بدأ يهدأ أكثر إلى أن مزج مقاماته بالأسلوب الصوفي على طريقته الخاصة، أصبح الروك ناعما جدا على يديه، ويبدو حسب رأيي أيضا أن أذناه امتلأت بالموسيقى الصوفية الشرقية، العربية والهندية على حي سواء، فأخذ يقلب شفراتها الداخلية ويمزجها بأسلوبه الخاص، والواقع إنني لادراية لي إذا ما كان جو سترياني قد استمع ولوبوجه الصدفة إلى ألبوم ناصر المزداوي، (الأنغام الليبية حول العالم) ولكنني عندما أرهفت سمعي وجل حواسي إلى إحدى مقطوعاته، وجدتها تشابهت في (جزء منها) مع المقطوعة الليبية والتي أعاد ناصر المزداوي تهذيبها وتلحينها لتصبح عالمية، وهي أغنية جرت السواقي، للفنان سلام قدري، ومن تلحين الموسيقار الليبي بشير فهمي فحيمة وريدي اليوم باعثلي سلامة، للفنان محمد الجزيري، ومجموعة أخرى من التشابكات اللحنية للتراث الليبي على وجه الدقة، لست هنا في باب المقارنة أبدا، غير أن الكثير من الأنغام ذات الصبغة الروحية لدي جو سترياني الذي استنطق الجيتار لتناجي الأحاسيس العالمية، أراه جدير بالبحث فيه، ففي بعض مقطوعات ألبوماته الأخيرة، أراه شرقية عالمية بامتياز.

لا يسعني هنا إلا أن أشكر صديقي الفنان ناصر المزداوي، المليء بالإنسانية والعالمية، والمنطلق من تراثه وجذوره المحلية، أشكره على جهوده المضنية، والتي اقتربت من النصف قرن حتى الآن.

للعلم، هذا الكلام القليل، فكرة خاصة ووجهة نظر ليس أكثر.

شاهد أيضاً

هذا زمن الرواية والشعر جنس أقلية “لهذا نكتب الروايات” كتاب يضم ستة حوارات وعشر شهادات لروائيين إسبان

خلود الفلاح   الشهادات والحوارات بمثابة الكشف عن الجانب الخبيء من حياة الكاتب وعلاقته بالعالم …