منصة الصباح

لم يكن ضحكا فحسب

 

قراءة : محمد الهادي الجزيري

ها إنّني اليوم أتعرّف على محمود الرحبي كاتب من عُمان الشقيقة، وأغوص في يمّه القصصي ” لم يكن ضحكا فحسب ” ،علما أنّه يطرح مسائل اجتماعية في واقعية محبّبة للنفوس ..، وأطلعكم على نماذج منه ..، وأوّل نموذج اخترته بعنوان” نعمة دخول الجمل إلى الحمام “…

في هذه القصة تأكيد على تمة الوفاء في المجتمع العربي وإعادة الحقّ لأصحابه مهما طال الزمن وبعدت المسافة ..، ففي القصة يمنع عمّ عبد الله من السفر مع قطيع خرفانه فيضطر أن يوصي بها مودّعه ..، وبعد زمن يعيد المودّع الأمانة لأهل الموصي ..وفي هذا إخلاص منقطع النظير…
” حدثنا الشاب أثناء إقامته بيننا ، بكلّ ما يعرفه عن عمّي عبد الله ، مبتدئا بقصة رفض الربان دخول قطيعه إلى السفينة ، وقد تكفّل بحمل الأمانة ورعاية القطيع ، الذي كبر وزاد عدده ، فقرّر بعد ذلك أن يبحث عن بيت أخيه الوحيد لتسليم أمانته مطمئنا..”
يجد محمود الرحبي حكاياته في أزّقة وشوارع البلاد ، وفي العائلة العربية ..مثل ذلك ، القصة المعنونة ب ” غلام ..لوحة متخيّلة ” يبدأ برجل تقيّ وشاب شقيّ ..: الرجل يحبّ أن يدرس ابنه وأن يصلي ..، والشاب يهوى كرة القدم ..، ويتدخّل مدير الاتحاد والمدرب ليقنعوا الأب بالموافقة على انضمام الابن إلى الفريق الوطني ..فيمتنع ثمّ يوافق بشرط أن يعمل الشاب ..وأن يصله راتبه كلّ شهر..
..” ولكن الأب لا يعلم أنّ العمل الذي أنيط لابنه في مبني اتحاد كرة القدم ، لم يكن سوى طباخ للشاي والقهوة ، ومراسل في أحسن الأحوال ”
” حريق الفئران ” متن سرديّ يقصّ فيه الكاتب كيف شبّت النار في عريشة المرأة العمياء وكيف نجت بنفسها ..ولكن وجود فئران ميتة أثار أسئلة كثيرة ..، القصة محبوكة كما ينبغي وفيها ذكرٌ لامرأة العمدة وللعمدة نفسه وللوالي ولشكوى المرأة العمياء ..، وتنتهي بما اقترحه العمدة على الوالي :
.. ” فقد جاء أحد تجّار الجملة ذات ليل إلى العجوز وطلب منها ترك قفص فئران خشبيّ مغلق في بيتها مقابل إعطائها عشرة ريالات شهريا ، ولم يعرّف باسمه ، كما أنّ المرأة بسبب عمائها البيّن ، لا يمكنها أن تصفه لنا ، وكان هذا الرجل يأتي في ظلام آخر كلّ شهر ويأخذ عددا من الفئران ويطلقها في مخازن غرمائه من التّجار ”
البرّ بالوالدين والإحسان لهما نجد هذه الخصلة في قصة ” ياسمين ” وتدور حول رجل ماتت زوجته في حادث مرور مخلّفة له طفلة في الثالثة من عمرها ..وكان إن أمضى حياته خدمة لها ولمّا شبّت الفتاة وتقدّم إليها الخُطّاب اشترطت أن تعيش مع أبيها امتنانا له وشكرا له على ما قدمه من تضحيات بالغة حتّى كبرت وصارت على ما هي عليه من جمال وتربية وأدب وحسن سلوك ..، وأعتقد أنّ التعامل الجميل الذي ذكره محمود الرحبي مازال في بعض الدول والمناطق ..أمّا بقية العالم فغارق في نرجسية قبيحة وأنانية مفرطة…

” كبرت فطلب منها أبوها أن تبقى في البيت ولا تذهب للبيع ، ولكن ياسمين التي انتشر أمر جمالها كما تنتشر روائح الياسمين واللبلاب لتأتي بالحظ السعيد ، لن يتركها القدر وحيدة بعد الآن ، فقد طرق الخُطّاب البيت مرارا ، ولكنّها اشترطت أن تظلّ في خدمته حتّى آخر عمره ، لأنّه أفنى حياته من أجلها ، وبذلك على من يرغب في الاقتران بها أن يرضخ لهذا الشرط ”
هكذا نكون قد جبنا مجموعة ” لم يكن ضحكا فحسب ” لكاتبها محمود الرحبي الذي له في رصيده عديد المجموعات القصصية ..منها كتاب ” حديقة السهو ” الذي جمع فيه ستّ مجاميع قصصية ..

شاهد أيضاً

السفير التونسي ينفي منع دخول الليبيين دون سن الـ35 عبر معبر ذهيبة الحدودي

  نفى سفير ليبيا في تونس، مصطفى قدار، ماتم تداولها عبر بعض صفحات التواصل الاجتماعي …