منصة الصباح

الخضراءُ لم تعد خضراء

الخضراءُ لم تعد خضراء

جمعة بوكليب

ليس المقصود بالعنوان أعلاه ايهام قاريء بريء بهدف الغرض منه التسلية، أو التعمية، أو ما شابههما من خدع صحافية صُممت ووضعت لاستقطاب الاهتمام. وبذلك، إلايحاء بأن المقصود منه ما كانت توصف به ليبيا في العهد السابق، في فترة سيادة مأ أطلق عليه مجازاً اسم الفكر الأخضر، نسبة إلى الكتاب الأخضر سيء الصيت، وأنها حالياً لم تعد خضراء. وهو اعتقاد يجانب الصواب. والحقيقة هي أن الهدف المقصود بالعنوان بعيد كل البعد عن السياسة وأهلها وملاعبها، ولا علاقة له بليبيا، سابقاً أو حاضراً، إطلاقا، وهذا أولاً. أما ثانياً، فإن نهاية النظام السابق، ربما تعني نهاية الكتاب الأخضر وموت مؤلفه، ونهاية سيادة اللون الواحد: اللون الأخضر. لكنها، في ذا الوقت، لا تعني اختفاء وتلاشي أنصاره ممن يطلقون على أنفسهم اسم الخضر.

وما حدث هو أنني، صباح الثلاثاء الماضي، وطرابلس لم تغادر بعد فراشها وتخرج إلى الشوارع لملاقاة نهار آخر، صيفي وساخن جداً ، كنت أنا قد انتهيت مبكراً من اجراءات التسفير في مطار معيتيقة، وجالساً في مقعد، مجاور لنافذة، في طائرة تابعة لشركة غدامس للطيران، ضمن ركاب رحلة قاصدة تونس الخضراء.

كانت رحلة صباحية، انطلقت في موعدها، وهادئة بشكل لافت، من البداية وحتى النهاية. وليس بها ما يثير قلقاً، أو يسببب ازعاجا، أو مخاوفاً. ونظرا لشدة ارهاقي من الليلة السابقة، مضافا إليه التوتر المعتاد الذي يصاحب يوم السفر، استرخيت في مقعدي، وأغلقت عيني بأمل استدارج النوم إليهما، وسرعان ما نمت. ولم استيقظ إلا على صوت كابتن الطائرة وهو ينبه المسافرين عن قرب وصولنا إلى مطار قرطاج، وبدء عملية الاستعداد للهبوط. فتحت عينيّ ونظرت من النافذة المجاورة لالتقاط أول ما يظهر من ملامح مدينة اشتهرت في التاريخ باسم الخضراء، لشدة خضرتها.

كانت الطائرة تقترب من الأرض في سكون كامل. وكلما اقتربت أكثر كلما ازدادت مساحات دهشتي، أو بالأصح مساحات استغرابي. السبب أنني كنت أتوقع أن الوصول إلى تونس جواً يتيح، لي ولغيرها من المسافرين في الرحلة، فرصة التمتع بجمال طبيعة تونس الخضراء. لكن التوقع شيء وما كان يقابلني شيء آخر. كان أول سؤال انبثق في ذهني وأثار حيرتي: ياعالم ياهوه، أين أختفت تونس الخضراء؟

الصورة تلك، بلا وعي مني، أعادتني أعواما إلى الوراء، وتحديدا لأول زيارة لي إلى ليبيا بعد غياب تواصل مدة ثلاثة عشر عاماً. قبل قيامي بتلك الرحلة، كنت كثيرا ما ألتقي بأصدقاء ليبيين في لندن. وكنت أستمع إلى ما يرونه من حكايات، خاصة تلك المتعلقة بشرائهم أراض وتحويلها إلى مزارع غنّاء. وحرصهم على قضاء عطلات نهاية الأسبوع بمزارعهم والتمتع بأجوائها وخضرتها. وكان توقعي لدى العودة أن الخضرة أول ما سيقابل عينيّ من الجو. وما قابلته عيناي، في تلك المرة، من أرض يابسة مصفرّة، لا يختلف عما قابلني وأنا أشاهد من نافذتي اصفرار ويباس ينتشران في كل مكان، ويسببان الحزن الاكتئاب.
تونس العاصمة توسعت حتى أكلت ضواحيها الزراعية، وحولتها إلى مناطق اسكانية قادرة على استيعاب الملايين من السكان الذين وصلوها من الأرياف بحثاً عن حياة كريمة. وهي هذه الأيام تشكو العطش، بسبب انخفاض المياه الجوفيه نتيجة قلة هطول الامطار. وتشكو كذلك سوء الأحوال الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة، وغياب الاستقرار السياسي نتيجة الصراع على السلطة، وغياب التوافق حول صيغة سياسية تتيح فرصة أمام عودة الاستقرار.

كان الله في عون أهلنا وأخوتنا في تونس.

شاهد أيضاً

ماذا ينتظر ستيفاني خوري في مهمتها؟

أحلام محمد الكميشي ملتحقًا بزميليه “يان كوبيش” و”غسان سلامة” استقال المبعوث الأممي التاسع “عبد الله …