جمعة بوكليب
زايد….ناقص
“مقهى محايد.” هذا ما قاله الرجلُ هاتفياً للمرأة، مُفلتاً ضحكة ،لا تخلو من سُخرية، حاول كتمها وفشل.
الرجلُ والمرأةُ زوجان سابقان. انفصلا بهدوء منذ أشهرقليلة مضت، وبينهما تبقّت مشكلة عالقة: من الأحقُّ منهما بالإستحواذ على بيت الزوجية السابق؟
المرأةُ ترفض الخروج منه، وتؤكد أنّه صار من حقها. الرجلُ يخالفها الرأي ويصرُّ على البيع، واقتسام قيمة المبلغ بالتساوي. ويطالبُ بالذهاب إلى القضاء للفصل في النزاع.
الرجلُ بهدف تشجيع المرأة على لقائه، هاتفها مقترحاً عليها اللقاء في مقهى وصفه بالمحايد، ولا يعرف لماذا أو كيف، أو من أين جاءه الوصف؟ ولعله كان يقصد بذلك مقهى يقع في منتصف المسافة بين مقرّي اقامتهما، وليس معروفاً أو مفضلاً لأي منهما. المرأةُ، على غير عادتها، وافقت سريعاً. واشترطت اختيار المنطقة والمقهى. الرجل مستغرباً من سرعة موافقتها، وافق على الشرط بلا تردد، واقترح زمان اللقاء. المرأة وافقته!
اختيار المنضدة التي سيتم حولها اللقاء للتفاوض، وأماكن الجلوس، ومن سيكون المتحدث الأول. لم يتم التعرض لها في الاتفاق الهاتفي. على اعتبار مفاده أن من يصل أولاً مكان اللقاء يحقُّ له / لها اختيار المنضدة ومكان جلوسه/جلوسها. ومن اقترح اللقاء عليه واجب المبادرة بفتح باب الكلام.
المرأةُ وصلت أولاً، ذات مساء ماطر. واختارت منضدة في زاوية ليست بعيدة عن المدخل، وجلست على كرسي، ووجهها قبالة “الكاونتر.” الرجل وصل متأخراً قليلاً عمداً، وجلس على كرسي قبالتها، ووجهه إلى المدخل الرئيسي المطل على الشارع. وكان هو من بادر بفتح باب الكلام، بسؤاله المرأة أن كانت غيّرت رأيها، وقبلت اقتراحه بعرض الأمر على القضاء. المرأةُ هزّت رأسها أفقياً علامة النفي. الرجل نهض من كرسيه وغادر المقهى.
الرجلُ، عن طريق أصدقاء له، عرف فيما بعد، أن لزوجته سابقاً عشيقاً يشاركها منذ أشهر العيش في البيت محلّ النزاع، وينام معها على نفس السرير، الذي كان ينام عليه هو في أشهر سابقة، وعلى نفس الجهة منه، التي كان هو يضجع فوقها. وهو أيضاً صاحب المقهى المحايد!!
أبواب
لكل نهار أبوابٌ عديدةٌ ومختلفةُ الأنواعِ والأحجام. لكن ما يَهمّك منها، هو أن تجدَ بابكَ من أول وهلة، إن كنتَ محظوظاً، وعبره تدخلُ بلا تردد حُومة النهار.
عَقِبَ استيقاظكَ من النومِ صباحاً، والمرور بكل المراسم والطقوس الصباحية المضجرة، تغادرُ بيتكم، وتدخل بعينين مفتوحتين زحمة النهار مثل غيرك، حاملاً مثلهم في يدك حزمة مفاتيح بأحجام مختلفة. وتبدأ عملية بحث دؤوبة عن باب قد يقودك إلى نهارك المأمول. وكلما وجدتْ باباً، جرّبتْ المفاتيح التي تحملها في قفله، واحداً تلو آخر. وحين تفشلُ مفاتيحك في مهمتها، تتركه وتنصرفُ بحثاً عن غيره. قد تجدُ بابكَ المقصودَ في النهاية، وقد لا تجده مطلقاً. بمعنى أنّك قد تجد قلباً، مُشرعاً أمامك، ويدعوك بود للدخول والإقامة، ويُحسنُ الضيافة. أما إذا خالفك حُسنُ الحظِ، فمن الأفضل لكَ، ألا تُصابَ بداءِ اليأس، ومن الأجدى لك ألا تتوقفَ عن محاولة مغادرة بيتكم كل صباح، بهدف البحث عن باب تلج قفله بمفتاح من حزمة المفاتيح التي تصر على حملها معك. ولا تخرج عن طريقك المرسوم قيد أنمُلة، حتى تصل مبتغاك. هذا ما أوصتني به المرحومة أمي منذ الصغر.
الغريب، أنني بعد وفاة أمي، رميتُ بحزمة المفاتيح في البحر، وخضتُ في الطرقات بلا هدف، ولم أعد أُعيرُ الأبوابَ اهتماماً.
الغريبُ والعجيبُ أيضاً، أنني لم أشعر بندم.