منصة الصباح

كما كانَ يَفْعَلُ عَلّيُ

زايد…ناقص

جمعة بوكليب

 

الذين منّا اختاروا الخَوضَ في دروبِ الحياة بَحثاً عن الحُبّ، هنيئاً لهم بما أختاروا. وندعو الله أن يوفقهم إلى بلوغ ما يتمنّون. أجملُ من البحثِ عن الحُبّ، أن يَختاركَ  الحُبُّ.

أن يستيقظ الحُبُّ صباحاً، يرتدي ملابسه على عجل، و يغادر مقرّه. ويجوب أصقاع العالم بَحثاً عن وردة أو قرنفلة متميزة، مثلكَ، يليقُ بها أن تتوسط عِقده.  ومن بين جهاتِ الدنيا يقوده حَدسُه الداخلي إلى جهة بعينها. وفي تلك البقعةُ المصطفاةُ، يتركُ العنانَ لحدسِه الداخلي، مرّة ثانية، ليقوده  نحو حديقةٍ أو بستان. وفي تلك الحديقةِ أو البستانِ، ينتقي وردةً، يراها أولاً بعينّي قلبه قبل بصره، ثم يقطفها بحرص، ويشُمّها بغبطة. وأخيراً يعلقها على ياقة سترته لترافقه طيلة الأوقاتِ، كما كان يفعلُ المرحوم الشاعرُ علي صدقي عبد القادر، حتى أطلق عليه النقاد شاعر الوردة، وصار علامةً على الوردة أو هي أضحت العلامةُ عليه. ولا أظنُّ أن المرحوم كان حريصاً على متابعة ما يطلق عليه من أوصاف، وهي عديدة. وصفوه بـ شاعر الشباب. وقالوا إنه شاعر الحُبّ. وحين بدا في تثبيت وردة حمراء في ياقة سترته، قالوا إنّه شاعرُ الوردة. وحين هرب لاجئاً من هول الحاضر إلى أحضان أمه فاطمة، في المدينة القديمة، وصفوه بأنه شاعر فاطمة. وهو في الحقيقة كل ذلك مجتمعاً.

لا تخطئه العينُ من قِصَرِ قامته، وقيافته المعهودة، ونظارته، والوردة  الحمراء التي يحرص أن ترافقه في مشاويره، وتضيء طريقه، وتحرسه حتى لا يضيع في الزحام، أو تخطفه غيمةٌ عابرة. وحين تقترب منه مُحيياً، من مسافة قصيرة، بإيماءة من رأسك، يرد بابتسامة طفولية، ويواصل سيره، وكأنّه في بحث دائم على قصيدة هاربة. والقصائدُ ليست مثل المعاني ملقاة على جانبي الطريق يلتقطها من يشاء، كما كانت تقول العربُ قديماً. القصائدُ، في الحقيقة والواقع، قد تكون ملقاةً على جانب طريق مهجور أو مزدحم، وقد تكون بهجةً طائرةً بجناحين مثل طائر يرفرف في سماء تراها عينا الوردة الحمراء المعلقة في ياقة سترته. وهي، في آن معاً، مثل الحبّ عَصِيّةٌ وبهيةٌ. ويمكن أن تعيش في عالمين، واقعي ومفارق، في وقت واحد. ومن الممكن جداً أن تجدها نائمة في قلبك مثل قطة فتوقظها برفق. أو تقابلك، على حين غفلة منك، في ضحكة منفلتة من ثغر امرأة، لم ترها من قبل.

القصيدةُ هي من  تختار مكانها وزمانها، وتنتقي خرز مفرداتها، و لون وعبق وردتها، وابتسامة وضحكة فاطمتها. و تحتاج زمناً كي تتعرف على محتويات تربة قلبك، وتختار بعناية الجهة التي تناسبها لتلقي بذرتها في مسالك الروح، قبل أن تنبثق تدريجياً عبر مسارب خاصة بها،  وتكبر، وتتفتح.

أن يختاركَ الحُبُّ هو أن تختارك القصيدة. تبحثُ عنك حتى في شقوق الأرض القريبة والبعيدة، وحين تجدكَ، تنجذب نحوك كبُرادة حديد إلى قطبي مغناطيس، ملتصقة بخفايا روحك وشديدة القُربِ من منابعها، لكي تكتسبَ ملامحكَ، وتستطعم مذاقَ فيض فرحك وحزنك. وتنقّب في تربتك عن ألوان زهورها وورودها. فلكل قصيدة ولكل حب زهوره ووروده.  لذلك السبب، وربما لأسباب أخرى لا أعرفها، يرصد قلبي، باهتمام لافت، كل أولئك الساعين في الأرض بحثاً عن حبّ مثل وردة علي صدقي عبد القادر، أو فاطمته، ومدينته. وأتمنّى على الله أن يبلغهم غاياتهم. لكن الأجملَ أن يختاركَ الحبُّ. أن يجدك ضالاً فيهديك إلى السبيل إليه، لكي يشممك بغبطة، ويقطفك بيديه الناعمتين، ويعلقك في ياقة سترته: تماماً، كما كان يفعلُ علّيُ.

شاهد أيضاً

أيام‭ ‬الصحافة‭ ‬ 

  فتحية الجديدي سؤال‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬وجب‭ ‬طرحه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬لأسباب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ …