منصة الصباح

قنطرة بنزرت

قنطرة بنزرت

زايد…ناقص

جمعة بوكليب

البحث في معاجم اللغة متعة لا تقاوم. كلما توفر لديَّ وقت، انصرفت إليها آملا في قضاء وقت بهيج ومفيد. وكلما غمرت نفسي في مياه بحرها العميق،، خرجت منه بجواهر نفيسة.

في الأيام الماضية، بينما كنت في زيارة قصيرة لمدينة تونس، عَنَّ لي ولصديقي ومضيفي حسن الأمين، زيارة مدينة بنزرت. لا أعرف سبباً جعلني أفضل زيارتها عن غيرها من المدن القريبة من العاصمة تونس. ويبدو أن ما قرأته، فيما مضى من العمر، عن المدينة وتاريخها، جعلني ألقي بكامل ثقلي في كفتها، وترجيح زيارتها. وشجعني على ذلك ما علمته بأن المسافة بين المدينتين قصيرة، لا تتجاوز ساعة ونصف باستخدام السيارة.

ما علاقة غرامي بالبحث في معاجم اللغة بزيارتي إلى مدينة بنزرت؟ الجواب: القنطرة. وسأحكي لكم الحكاية من دون زيادة أو نقصان. لكن قبل ذلك، يلزمنا التوقف قليلاً لتوضيح معنى الكلمة قاموسياً.

مُعجم المعاني الجامع، على الانترنت، يشرح كلمة قنطرة كالتالي:

قَنْطَرة: اسم.

قنطرة: مصدر قَنْطَرَ. والجمع قنْطَرات، وقناطرُ.

والقنطرة: جسر متقوسٌ فوق النهر يعبر عليه.

يتميّز التونسيون بحيوية ملحوظة في تعاملهم مع لغة الضاد. إذ يلاحظ الزائر، المهتم باللغة العربية، للبلاد التونسية وجود معجم عربي تونسي خاص، لا يتكرر في البقعة الجغرافية الناطقة بلغة الضاد. فهم، وعلى عكسنا نحن في ليبيا، ينحتون معجمهم اللغوي، من دون نقل أو نسخ. علماء اللغة الليبيون كسالي، وليعذروني في الوصف. فنحن في ليبيا لا نبادر بنحت واشتقاق كلمات جديدة، بل جرت العادة أن نكتفي بنقل وبنسخ ما يأتينا جاهزاً ومختوماً بختم علماء اللغة في بلدان المشرق. ويكفي القاريء الكريم متابعة نشرة أخبار تونسية، استماعاً أو مشاهدة، ليدرك ما أقصده.

أولُ مرّة سمعت بكلمة “القنطرة” في تونس، كانت تقريباً في عام 2013، لدى تلبيتي لدعوة كريمة وصلتني من جامعة منوبة للاداب في تونس، للمشاركة في ندوة أقيمت في مدينة جرجيس. لدى وصولي إلى مطار مدينة جربة، قادماً من تونس على متن رحلة جوية داخلية، وجدتُ في استقبالي شابين تونسيين، أخذا على عاتقهما مهمة توصيلي بالسيارة، إلى مقر إقامتي بمدينة جرجيس. في الطريق، بدأ الأثنان في ذكر القنطرة. وبالتأكيد، فإن الكلمة ليست جديدة علىَّ تماماً. لكن القنطرة بالمعنى الوارد في حديث الشابين آنذاك، كانت تختلف عن المعنى الذي كنت أعرفه، ويختلف عنه. اللافت في تلك اللحظة، أنني أعتمدت على فهمي الليبي للكلمة، وفاتني ما كان يقصده الشابان. وصولي في ساعة متأخرة من الليل، والظلام الذي كان يخيم على الطريق، حالا بيني وبين رؤية القنظرة، والربط في ذهني بما كان يقصدانه. ولو حدث وكانت الزيارة نهارية لربما اختلف الأمر، وفهمت وقتياً المعنى المقصود.

تذكرت ذلك، وأنا وصديقي حسن جالسان في سيارة “أبوالقاسم” صديقنا التونسي، لدى اقترابنا من بنزرت. قال أبوالقاسم موضحاً إن عبورنا القنطرة، يلقي بنا في أحضان المدينة. في تلك اللحظات، انتبهت، ورايت أمامي جسراً مقوساً على البحر تعبره السيارات من الجهتين. وفجأة، انبثق في ذهني حوار الشابين التونسيين. وأدركت بما لا يدع مجالا لشكي، أن أخوتنا في تونس يطلقون اسم القنطرة على الجسر. وهذا يعني أنني في طريقي من جزيرة جربة إلى مدينة جرجيس، عبرت الجزيرة عبر جسر يربطها باليابسة، وليس قنطرة بالمعنى الليبي. وأنني فعلت الشيء نفسه، بعبوري القنطرة إلى مدينة بنزرت. وقيل لي إن عبّارة في السابق، كانت تقوم بمهمة نقل القادمين والخارجين من المدينة، وتوقفت عقب تشييد الجسر.

شاهد أيضاً

اللي تعرف ديته.. اقتله

مثل ليبي يصف بعضا من الواقع الذي نعيشه بإرادتنا أو فرضًا علينا، فمنذ أيام ضجت …