منصة الصباح

فَضْ عرس حمد

زايد .. ناقص

جمعة بوكليب

 

 

أخيراً، لا بُد مما ليس منه بُد. انتهى عرس بطولة كأس العالم لكرة القدم بقطر. وخسارتنا الكبرى أن لحظات السعادة، كما نعرف جميعاً من التجارب والخبرة، قصيرة العمر لا تعرف دواماً. بعد قرابة شهر، خرجت الاثارة والتشويق، والجنون البهيج من باب مفتوح على مصرعيه.  ومن باب نافذة موارب، تسللت الخالة حليمة عائدة إلينا بعد غياب، ورجعت إلينا، ككل مرة، محمّلة بصرّة أثقالها، وما تحويه من عاداتها القديمة الغريبة، مضافاً إليها ما سيلحق بها سريعاً من صرر مليئة بملل وضجروكآبة، وغيرهم مما عرفناه وجربناه، قبل العرس.

الزمنُ الكوني، وأحسرتاه، لن يعود إلى الاستدارة الجميلة، إلا بعد سنوات أربع أخرى. وإلى أن يحين موعد العرس الكروي القادم في القارة الأمريكية في العام 2026، لا يبقى أمامنا  سوى الدعاء إلى الله الكريم أن يمنَّ علينا جميعاً بطول العمر، حتى نعيش لحظات الفرح من جديد، وأن يرزقنا بالصبر أيضاً لأننا سنكون في أمسّ الحاجة إليه، كي نتغلب به على ما قد يبتلينا به أهل السياسة، سواء من كانوا منهم  في بلادنا، أوفي غيرها من بلدان العالم، بما يحيكونه من مؤامرات وكوارث وحروب،  في قادم الأيام، وراء أبواب مغلقة، وكواليس معتمة.

العُرسُ الكُروي الكوني، هذه المرّة، كان فريداً بكرمه بما وفره لنا من بهجة، وبما شاهدناه من فنون اللعبة المحببة. وكان استثنائياً، عربياً وأفريقياً. لاعبو الفريق المغربي( عرب وأمازيغ وأفارقة) من بين دول كل الفرق العربية والأفريقية المشاركة، أدخلوا الفرح بعد يأس إلى قلوبنا بلعبهم الجميل، وحماسهم غير العادي، وحققوا ما لم يكن أحد يتوقعه، أو وضعه ضمن حساباته. وسجل مؤرخو التاريخ باعجاب اسم المغرب في وثائقهم. والكأس الذهبية الصغيرة، التي تدوخ الرؤوس، وتلهب الأبصار، عادت مصونة في أحضان الفريق الاجنتيني، مخترقة الأجواء إلى امريكا الجنوبية، لتضيء ليالي العاصمة بوينس أيرس بالفرح. والفرنسيون الذين جاؤوا إلى الدوحة بأمل استعادتها، والعودة بها إلى باريس، لم يحالفهم حسن الحظ، ورجعوا بخفّي حُنين، تسكنهم حسرةٌ وخيبة.

الفائزُ الأولُ والأكبرُ لم تكن الارجنتين ولا فرنسا ولا البرازيل ولا واق الواق، بل كان الدولة المضيفة. دولة صغيرة. وجزيرة شبة مقطوعة،  في نقطة ما في الخليج العربي، لا تُرى بالعين المجردة على خريطة العالم، اسمها قطر. أضحت خلال شهر قِبلةَ عشاق المستديرة في كل الدنيا،  وأسمها تردده الألسنةُ بودٍ وبحبٍ وبشغف. الفائزُ الثاني كان عشاق كُرة القدم في أرجاء المعمورة. والساسةُ كانوا أكبر الخاسرين بفقدانهم، طيلة شهر العرس، لدائرة الضوء. فهنيئاً للفائزين، وحظاً سعيداً لبقية الفرق المشاركة، الذين تخلّى عنهم حسن الحظ. و”خيرها بغيرها” كما يقول المثلُ.

لكنَّ العرسَ الكونيَ انتهى، وهذه حقيقةٌ، وعلينا قبولها أولاً، والتعاملُ مع ما سيؤدي إليه الغيابُ من عودة محن وكوارث ومصائب كانت مؤجلةً، ومعلقةً في السحب وفي الغيوم، وفي أدراج مكاتب الساسة، وحان للأسف موعد عودتها. فأحزموا أربطة المقاعد. واستعدوا للرحلة القادمة الطويلة نسبياً. وأدعو الله أن يجنّبنا شرّ المطبات الجوية المتوقعة،  والعواصف المحتملة، وكل ما لا تشتهيه قلوبنا وأوطاننا. وأن نحطّ معاً سالمين على أرض العام 2026، لنشهد وقائع عرس حمد من جديد.  وعلى رجاء أن يكون منتخبنا الوطني الليبي بين الفرق المتنافسة، وعلى أمل  أن يعود، قبل ذلك، السلام والاستقرار والأمن والآمان إلى بلادنا، والحب إلى قلوبنا.

 

شاهد أيضاً

إعادة تشغيل الوحدة الإنتاجية الأولى بمحطة كهرباء حقل الاستقلال

جرت عملية صيانة الوحدة الإنتاجيـة الأولى بمحطـة كهربـاء حقل الاستقــلال وإعادة تشغيلها بكفاءة عاليــة. وأوضحت …