منصة الصباح

في هجاء المقاهى ..

إطلالة

جمال الزائدي

 

قبل أن يتذوقوا طعم الرفاهية والكسل بسبب ظهور السائل الأسود  الملعون.. كان الليبيون  يعتبرون الجلوس بالمقاهي الشعبية عيب  لايأتيه إلا كل متعطل متبطل.. والحقيقة أنه حتى عقود قريبة جدا لم يتغير موقفهم هذا كثيرا.. ولانني بطبعي لا أميل إلى موافقة منظومتنا الاجتماعية المتشددة نظرا لتكلسها وعجزها عن مواكبة تغيرات الأزمنة  ..فقد كنت على مدى سنوات واحد من هؤلاء الآلاف  الذين يرتادون مقاهي المدينة بوتيرة منتظمة خصوصا بعد العام 2011  حتى تعرضت في إحدى الأماسي قبل شهر رمضان الحالي   لتجربة غريبة أزالت غشاوة الجهل عن قلبي لأستوعب حكمة الأجداد العريقة في تحفظهم وهجائهم لجلسة المقاهي التي تفرض علينا أحيانا الالتقاء بشخوص  لا مشتركات بيننا وبينها وأحيانا اخرى التواصل مع مخلوقات  فضائية عجيبة تتحدث لغات لا قبل لنا بفهمها  ..الحكاية باختصار أنني في ذلك اليوم بعد الانتهاء من عملي  بالصحيفة توجهت إلى مقهى قريب بناء على دعوة من زميلين عزيزين وهناك على طاولة تقبع عند المدخل تماما كانا يجلسان صحبة شخص ثالث تبدو سيماء العز والوجاهة والثقافة على محياه الوضئ ..كان الحديث ليبي بامتياز يبدأ من نقطة مجهولة وينتقل بقوة الدفع الذاتي من محطة إلى أخرى بلا تمهيد ولا مقدمات حتى وصل إلى الأوضاع المعيشية الصعبة  الذي يكابدها  الليبيون في الآونة الأخيرة  ..وهنا قررت المساهمة في الحديث من باب المجاملة وطرحت وجهة نظري بطريقة أظنها موضوعية ومحايدة تقريبا لاتلقى هجوما عاصفا اختلط فيه اللعاب بالكلمات المهمشة التي أطلقها  الوجيه وضئ المحيا وهو  يرفع صوته المنكر إلى مستويات عالية جعلت رواد المقهى يلتفتون باجمعهم نحو طاولتنا فيزيد ذلك  من حماسة صاحبنا الذي حلت فيه روح الراحل موسوليني متقمصا طريقته في خطاباته المسرحية التي يستخدم فيها كافة أعضاء جسده بما في ذلك كرشه المنتفخة ..وفي فورة الخطاب الحماسي  لوح صاحبنا  بيمناه ليطيح باكواب القهوة وبعض قناني الماء لينتهي المشهد نهاية مأساوية ..

عند هذا الحد من الإثارة والأكشن  انسحبت بهدوء وانا اعتذر في سري  لحكمة الأجداد التي قضت بالتنفير من ارتياد المقاهي ومخالطة الدهماء والغوغاء .. وكنت اردد لنفسي ” اللي يخلط روحه مع الدشيشه……”

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …