منصة الصباح

في مسألة النغم

د. نورالدين محمود سعيد

أستاذ افنون المرئية في الجامعات الليبية

السنباطي، متفرد جداً، لسبب أنه متوحد في أنغامه اللحنية فيما يخص «الميلودي» الغريب على الموسيقى العالمية بأسرها، إنه يتتبع رسماً، لعله رسماً بيانياً لنوتة موسيقية، لعله ليس كذلك، السنباطي تحديداً يدرك لعبته التي لا تفسير لها، إنه يترحل بنغمة العود، يغرقها فتأتي مشبعة بالنغم الطبيعي، للدو مثلاً أو للصول أو للري، للنغم الطبيعي للماجور أو للصبا، الخ، لكنه سرعان ما يحيل النغم إلى شيء آخر لا شكل له عدا أنه سنباطي، وهنا الإبداع، السنباطي سيد أحافير النغم في الموسيقى الشرقية (العربية) هذا رأيي، بمعنى أن السنباطي أحال الموسيقى العربية إلى (أنثروبولوجيا موسيقى) ذات مذاق نغمي متخصص، وخاص بها تماماً، إنه ثوبها الذي كانت تبحث عنه منذ زرياب، بعد أن مزقته الظروف المكتنزة بالأزمات المتلاحقة بهذه الأمة، تابعته بشغف، منذ ماقبل أراك عصي الدمع، وبعدها، كنتُ سأتوقف عند ثورة الشك البديعة، لكنني توقفت عند أراك عصي الدمع، في حالة من الإنهاك الموجع للتفاعل مع اللحن عند سيدة الغناء العربي والعالمي على حد سواء، سيدة تدعى أم كلثوم.. أم كلثوم مع السنباطي، حالة نادرة، ليست عربية فقط، بل وعالمية أيضاً، لسبب أن للعالم مع أنغام السنباطي المتشظية في حنجرة أم كلثوم، قبول وشغف، نظراً للتفرد في الحالة الإبداعة، التفصيل، عنايتي بالتفصيل عند السنباطي، سابقة على استيعابي للموسيقى العالمية بأسرها، بمعنى أنني وأنا أستمع بشغف مثلاً لبتهوفن أو ديفيد جيلمور، كنت أحس بالمنهج الرياضي وحالة التنظيم النغمي للتون والنصف تون والعودة إلى التون الطبيعي الكامل عند هؤلاء الغرب، ثم إلى النصف وهكذا، لا أخفيكم لستُ أخصائياً في الموسيقى، أنا فقط مهتم بما أسمع، وليست عندي القدرة التحليلية من الناحية التقنية والمعرفية حتى بالنوتة، ولا أقرأها إلا لماماً، رغم معرفتي بالعزف على القيثارة مثلاً، ولكن ليس هذا المهم هنا، المهم هو أن الموسيقى يمكنها أن تنتظم رياضياً في حالة أبعادها اللحنية مع النصف تون والتون، لكنها لا تنتظم مع الربع تون العربي، هنا سبب حديثي عن السنباطي، وهنا المفصل المهم في الإشارة إليه، كيف لا تنتظم؟.. لا تنتظم، لا يعني أنها غير منظمة، أبداً لا، لكن يعني أنها غير منظمة بحرية أكبر بمعنى أنها كسرت قيد المساحة باتساعها نحو أفق الربع تون، بالضبط كالفرق بين الطيران الطبيعي الرباني للنسر، وطيران الميراج الصناعي، السنباطي لم يقف عند هذه المسألة فقط، بل تعداها إلى خلق شكل منظم جداً لهذا الربع تون، بمذاق إنساني وانسيابي ناعم الملمس جداً، لعله يكتب نوتة متفردة في الشكل لهذه الأسباب، التي من بينها تبيان حالة شكل الطيران بالنسبة للنغم، فهل يا ترى أزيد على ما قلت؟، لنتابع هنا أراك عصي الدمع، في هذا المقطع الذي لم أتحدث عنه في هذه المرة فقط، بل تكرر عندي ثلاث مرات تقريباً، في ثلاثة مناشير مختلفة الذائقة، (معللتي بالوصل والموت دونه، …..)..

شاهد أيضاً

فئة الخمسين… وحال المساكين

باختصار بقلم د. علي عاشور قبل أيام انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور لقرار خازن …