منصة الصباح

في تصويب المفاهيم …الوطن هو الحزب… الوطن هو القبيلة

بقلم / سليم يونس

شهدت منطقتنا العربية بعد عام 2011، طفرة حزبية تمثلت في سيولة في تشكيل الأحزاب، حتى باتت تعصى على الحصر والفهم أيضا، وهو أمر طبيعي في ظل المرحلة الانتقالية التي تمر بها دول المنطقة ، لكن المشكلة أن بعض هذه  الأحزاب والقوى السياسية تعاني من خلل له أساسه الثقافي، وهذا الخلل  يتعلق بفهم الأرضية السياسية والمعرفية التي تقوم عليها الحياة الحزبية، التي يفترض  أنها تتكئ على وعي أصيل بالديمقراطية كثقافة وسلوك،  التي يجب أن تتجلي في قبول الآخر المختلف وحتى المخالف، طالما هو محكوم بسقف الدستور والقانون.

وتبرز معضلة الأحزاب بمفارقتها لقيم الحوار وشراكة الوطن خلال الأزمات والانتخابات، وهي الانتخابات التي ربما تعتبرها هذه القوى والأحزاب البعيدة عن التقاليد الحزبية، معارك وجود تستحق أن تستخدم فيها كل أسلحتها البعيدة عن النزاهة وقيم الحرية والديمقراطية وثقافة المجتمع المدني، بل والأدهى من ذلك؛ عندما تستدعي هذه الأحزاب التي يفترض أنها  مدنية وتأسست على أساس المواطنة في بعديها القانوني والسياسي، عصبية القبيلة بمعناها الاجتماعي وقرابة الدم؛ في نفي موضوعي لمعنى الحزب الذي هو إطار واسع يتعدى العائلة والقبيلة والمنطقة والإثنية والجنس إلى فضاء كل الوطن.

ولعل ما جرى ويجري في العديد من الدول العربية لمثال على أن بعض الأحزاب،  قد تحولت أثناء الانتخابات إلى قبائل  في جانبها السلبي وليس الإيجابي، لكن المفارقة  أن هذه الانتخابات؛ قامت بتعرية كل الزيف الذي تعيشه هذه الأحزاب سواء بوعي أو بدونه، كون الانتخابات تُظَهِّرها على حقيقتها الفكرية والسياسية، بعيدا عن حملات العلاقات العامة والدعاية الحزبية.

وبرز ذلك بشكل واضح في بعض الدول العربية التي تدعي أنها دول مدنية وديمقراطية قانونية عند استحقاق الانتخابات، بلجوء هذه الأحزاب التي يفترض أن كل منها، تنظيم ديمقراطي يمارس العملية الديمقراطية داخل الحزب، بانتخاب أعضائه لتولي المناصب القيادية في الحزب ووضع الرؤى والأهداف الاستراتيجية، ويعمل على الربط بين مجموعة المواطنين الذين يتبنون رؤية سياسيّة واحدة برؤية الحزب ، وأيضا بين نظام الحكم وأدوات الدولة المختلفة.

والأساس هنا؛ هو أن الرؤية السياسية وليس أي شيء آخر هو الناظم بين الحزب والمواطنين الذين لهم نفس الموقف السياسي وربما الفكري، ولعل الخشية خاصة في تلك الأحزاب والقوى هشة البناء التي لا تؤمن بالديمقراطية كثقافة ونمط عيش،  وأن المواطنة الحقة حقوقا وواجبات هي جوهر بناء وحياة الحزب الذي يجب أن يعكس بنيته، كونه مكون من مواطنين أحرار ، هو عندما  يتحول الحزب إلى قبيلة ، بأن يلجأ في لحظات الاشتباك السياسي، إلى استدعاء روح القبيلة ،  بل وتحويل الحزب إلى قبيلة ونقله من موقعه السياسي إلى موقع اجتماعي انعزالي يرتدي قناعا سياسيا، وهذا يتناقض ومفهوم الدولة المدنية القانونية، وهو فيما نقدر يدل على بؤس هذا الشكل المشوه من ” الوعي ” الذي يستحضر روح القبيلة ، ليصبح  الحزب هو القبيلة، ويعلو شعار انصر أخاك بصرف النظر عن مدى اقترابه أو ابتعاده عن نبض الناس كل الناس .

هذه المقاربة تعكس للأسف وعيا مشوها، يستحضر سؤالا مركزيا عاما هاما ، حول الفرق بين مفهوم القبيلة ومفهوم الحزب ذلك أن القبيلة هي جماعة من الناس تنتمي في الغالب إلى نسب واحد يرجع إلى جد أعلى أو اسم حلف قبلي يعدّ بمثابة جد، وتتكون من عدة بطون وعشائر، في حين أن الحزب تنظيم ديمقراطي واسع يمارس نشاطه ويغرف أعضاءه  من كل الوطن، والانتماء إليه أساسه سياسي فكري تنظيمي، وخيار الدخول فيه والخروج منه مرتبط بوجود  التوافق السياسي والفكري ،تنظمه لوائح الحزب الداخلية.

والتشويه الذي يطال فكرة الحزب ودورة السياسي والتثقيفي بامتياز، هو عندما يتعلق الأمر بموضوع يتجاوز تخوم الحزب إلى فضاء الوطن بكامله،  ومن ثم مستقبل هذا الوطن ، هنا يصبح السؤال منْ الأولى بالرعاية، هذا الفكر الذي يصادر الوطن لصالح شرط الحزب القبيلة؟ أم ذلك الفكر الذي يراعي شرط الوطن فوق كل الأحزاب ؟

فبدلا من أن يكون الحزب اتحادا طوعيا لأعضائه على أساس سياسي فكري اجتماعي وسيلة حضارية وأداة لخدمة الوطن أولا وأخيرا ، على اعتبار أن الوطن في كليته هو الهدف النهائي وأن المعيار في ابتعاد أو اقتراب أي قوة سياسية من ذلك ، إنما يتمثل في توافق ممارسته السياسية مع فكرة أن الوطن هو الغاية النهائية ، يجري خلق وعي مشوه من خلال ” تصنيم ” الحزب ليصبح المعيار هو اندغام الوطن في الحزب ، ويصبح الوطن وفق هذا النسق من الفكر السياسي في خدمة الحزب ” القبيلة ” .

ولعل أسوا ما في هذا الأمر؛ هو في محاولة التعميم القسري لهذه الحالة الخاصة من اليقينيات لتشكل “حالة ذهنية عامة ” تؤمن بأن ما هو في مصلحة الحزب هو بالضرورة في خدمة الوطن ، بادعاء أن الحزب  يتماهى في الوطن وأن الوطن يتماهى في الحزب ، ومن ثم النظر إليهما كل في كليته الخاصة به، هو بمثابة مس باليقينيات ، التي تستوجب الحق في الدفاع عن هذا الشكل ” الماهية الواحدة ” الحزب الوطن .

وهذا النوع من الفكر السياسي بكل هذا القدر العالي من الاستحواذ لدى بعض الأحزاب ، يكاد يصادر ” ذهنياً ” أي وجود لأي فعل سياسي سواء كان لفرد أو لمجموعة سياسية ، إنما يشكل خطرا كبيرا على الحقيقة التي تقول بأن الوطن هو لمجموع أبنائه على قاعدة المساواة والشراكة السياسية ، على اعتبار أن لا أحد بمكنته أن يكون هو الوطن أو أن يحتكر “الأبوة ” ومن ثم الحقيقة .

فالوطن أرحب من أن يتم شرنقته داخل حزب أو قوة سياسية مهما عظم شأن هذه القوة أو ذلك الحزب ، فالوطن سيبقى قويا وحاضرا بقدر حضوره في جميع أبنائه وجميع أبنائه فيه ، بكل ألوان طيفهم السياسي والفكري وفق ناظم أساسي هو الديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات، لأن الوعي المشوه من شأنه أن يفرز واقعا مفارقا ومشوها ‘ وهو ما يجب أن يحرص الجميع ، على عدم الانزلاق إليه ، بل يجب أن يعمل الكل كواحد من أجل أن يعلو الوطن وأن لا يعلى عليه ، وأن يكون الوطن هو القبيلة وأيضا الحزب.

شاهد أيضاً

فئة الخمسين… وحال المساكين

باختصار بقلم د. علي عاشور قبل أيام انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صور لقرار خازن …