منصة الصباح

في الذكرى الثانية لرحيله .. ما قصة تنبؤ العراب بجائحة كورونا ؟

صادف أمس الخميس, الثاني من أبريل, الذكرى الثانية لوفاة الأديب والكاتب المصري أحمد خالد توفيق, أحد أشهر من كتب روايات الرعب والفانتازيا والخيال العلمي على المستوى العربي.
الذكرى السنوية الثانية لرحيل مؤلف (السنجة) و(مصاص الدماء) لم تأخذ حيزاً إعلاميا كبيراً كالذي يستحقه صاحبها, لانشغال العالم بجائحة كورونا, التي أضحت حديث العالم كله, بعد أن أوقفت كل شيء تقريباً, بدءا من اجتماعات الساسة وانتهاء بمباريات كرة القدم.
إلا أن العراب كما يلقب كان له ارتباط بكورونا, فقد تنبأ بها قبل 6 سنوات تقريباً, عندما ظهر له كتاب اسمه (شربة الحاج داوود) , وهو كما وصف في بدايته مقالات عن العلم وشبه العلم, وجاء الفصل الأول منه بعنوان حكايات طبية, وفي إحدى مواضيعه (مقالاته) التي حملت عنوان (وفاة فيروس) يكتب توفيق : ” عندما وصل الكورونا إلى مصر كان يحمل هذا الاسم المخيف MERS-C0 ومعناه المتلازمة التنفسية الخاصة بالشرق الأوسط الناجمة عن فيروس كورونا”, ثم يضيف “هل تذكر فيروس سارس الذي ارتجفنا من هوله منذ أعوام, إنه أخو فيروس كورونا مع اختلاف بسيط ”
ويستطرد واصفاً رحلة الفيروس في مصر: ” كان فيروس كورونا يأمل أن يكرر أمجاد الفيروسات من قبله عندما يصل مصر, خاصة أن الكثافة السكانية والتكدس يسمحان له بالبقاء والتكاثر .. لكنه أدرك من البداية أن العملية صعبة وعبور الطريق بالنسبة لفيروس مسالم عملية شبه مستحيلة “.
لكن العرّاب لم يكن يصف فيروس (كوفيد 19) المسبب لجائحة هذا العام, وإنما فيروس تاجي آخر من نفس العائلة ظهر في السعودية وبعض دول الشرق الأوسط وأمريكا سنة 2012, ويبدو الفرق جلياً بين انتشار الفيروسين وأثرهما على العالم.
وإن كان تنبؤ توفيق بفيروس كورونا, والذي دار حوله الجدل في عدة منصات الكترونية غير دقيق, فإن له كلمات كتبها سنة 1996 طابقت واقعنا, عندما ضمت إحدى روايات سلسلته سافاري :” أين يجتمع الخنزير والدجاجة؟ .. طبعًا عند كل فلاح صيني.. كل فلاح صيني يخفي في حظيرته مختبرًا خطيرًا للتجارب البيولوجية، وفي هذه الحظيرة تنشأ أنواع فيروسات فريدة لم نسمع عنها من قبل..ولهذا لا نسمع عن أوبئة الإنفلونزا المريعة إلا من جنوب شرق آسيا حتى صار للفظ إنفلونزا آسيوية رنين يذكرنا بالطاعون .. لكن د. شرودنج و بارتلييه يعرفان جيدًا أن الوباء الحقيقي المرعب قادم لا شك فيه.. سيبدأ من مكان ما في الصين أو (هونج كونج).. ساعتها لن يكون لنا أمل إلا في رحمة الله، ثم البيولوجيا الجزيئية وسرعة تركيب اللقاح”.
تنبؤ متوقع من رجل درس الطب وتخصص في الأمراض الحارة قبل وأثناء خوضه تجربته الأدبية, حيث ساعده ما خبره في عمله على رصد حالات اجتماعية لكيفية التعامل المجتمعي مع الأمراض, ساقها بأسلوب سلس ساخر, وبدت لنا متماثلة بشكل كبير مع تصرفات ظهرت كثيرا في زمن الكورونا.
وبالعودة إلى (شربة الحاج داوود) وتحديداً في الفصل الرابع (فتنة إنفلونزا الخنازير) نجد اتجاه الناس لتعاطي عقار (تامفيلو) المضاد لإنفلونزا الخنازير دون وصفة طبية, بل دون الحاجة إليه, وتعاملهم معه كدواء (إحترازي), غير مهتمين بما قد يسببه ذلك من خطر على المستوى البعيد, وكذلك حرب الشائعات التي ظهرت على الإنترنت, مابين رسائل تهويل مبالغ فيها, وطرق علاج ووصفات غير متسقة مع العلم الحديث ولا صادرة عن أهل الاختصاص.
كما يصور لنا تصرفات الناس في كل مرة يظهر فيها وباء, حيث تتعدد القصص عن أناس قد قابلوا المصابين وعلموا من أمرهم ما لا يعلمه أحد, وعن طبيب في مكان ما بعث برسالة ونصائح للبشرية وقد أضحى مخلصها, وإعلاميين يسرعون بنشر مايرونه مثيراً دون أدنى تثبت, ومنتقدين لا هم لهم إلا الانتقاد – ربما لإظهار أنفسهم بمظهر العالم ببواطن الأمور والذكي الذي لا يجارى في ذكاءه وفهمه لسير الأحداث.
والخلاصة أن أحمد خالد توفيق لم يتنبأ بكورونا كوباء جديد, ولم يزد عن ذكره لأوبئة ظهرت وأخرى قادمة مادامت البشرية مستمرة في تعميرها لهذا الكوكب, لكنه رصد بعبقريته وأسلوبه الفريد تعامل مجتمعاتنا مع الجائحات, وجمع كل ذلك في كلمات موجزة, لا يأتي بمثلها إلا من أوتي مثل ما أوتي العراب.
وربما لو كان الله أمد في عمره إلى زمن (كوفيد 19) لكتب عنه بطريقته .. لكن الأجل وافاه قبل ذلك .. رحمه الله

شاهد أيضاً

لوحة “الآنسة ليسر”.. تاريخ “غامض” بقيمة “32 مليون دولار

بقيمة 30 مليون يورو “32 مليون دولار”، تم بيع لوحة “الآنسة ليسر” للرسام جوستاف كليمت، …