منصة الصباح
علي الدلالي
علي الدلالي

غزة فيتنام جديدة

بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي

أطلقت الولايات المتحدة منذ اعترافها بأول حكومة للكيان الإسرائيلي أيادي جيش الاحتلال الذي قام على منظمات إرهابية عنصرية لاجتثاث الشعب الفلسطيني من أرضه، ومدته بجميع أنواع الأسلحة التقليدية الخفيفة والثقيلة وغير التقليدية وزودته بالقدرات الفنية لصناعة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وبكافة أشكال الدعم المادي والسياسي والدبلوماسي، وبسلاح (الفيتو)، في حين اصطف الغرب الذي انتزعته أمريكا من قبضة النازية إلى جانب الكيان الإسرائيلي المغتصب لأرض فلسطين، فزودته فرنسا بمعادلة القنبلة النووية، ولم تبخل عليه روسيا بالموارد البشرية الجاهزة والمدربة ليكون القوة المهيمنة في منطقة الشرق الأوسط وما جاورها بلا منازع، ومدته ألمانيا المهزومة بالأموال، وحققت له بريطانيا حلم الحركة الصهيونية بوعد بلفور.
تمكن جيش الاحتلال من كسب كافة الحروب التي خاضها مع الدول العربية بعد تهجير الفلسطينيين من أرضهم وجلب ملايين اليهود من كافة أرجاء العالم، باستثناء حرب 1973 التي، رغم العبور، انتهت لصالحه في الخيمة (101) بسبب رائحة الخيانة وقتذاك، واكتسب صورة “الجيش الذي لا يُقهر”، إلا أنه ترنح في هذه الحرب الوحشية، حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، التي أعلنها على 2.4 مليون فلسطيني محاصرين في قطاع غزة منذ 17 عاما.
أدركت الولايات المتحدة، – الخبيرة في حرب المدن والعصابات التي كبدتها خسائر فادحة في فيتنام وأفغانستان والصومال – منذ الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى ليوم 7 أكتوبر 2023 أن هذه الحرب ستكون فيتنام جديدة في الشرق الأوسط، تختلف عن كل الحروب السابقة التي خاضتها قوات الاحتلال مع الدول العربية، وكانت جميعها حروبا خاطفة، حيث حطمت فصائل المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر جدران الفصل العنصري وتغلغلت للمرة الأولى في قلب مستعمرات ما يُعرف بغلاف غزة وضربت جيش الاحتلال داخل قواعده، فسارعت إلى إرسال حاملتي طائرات وقوة بحرية ضاربة قبالة سواحل غزة، وأقامت جسرا جويا مفتوحا لإمداد جيش الاحتلال بما يحتاجه من وسائل القتل والدمار وفتحت له مخازن سلاح الجيش الأمريكي في فلسطين المحتلة قبل أن تنخرط مباشرة في هذه الحرب من خلال نشر ألفي (2000) عنصر من أفراد قوات النخبة (دلتا) على الأرض، والكثير من المستشارين ورجال المخابرات المركزية المتخصصين في إدارة العمليات وتحليل المعلومات.
سقطت أمريكا من خلال مشاركتها لقوات الاحتلال الإسرائيلي في القتل بشراسة والعربدة والتنكيل والذبح والدمار، وكشفت مع الغرب، عن كذبة التفوق الأخلاقي، وأماطت اللثام عن حقيقة الحضارة الغربية القائمة على إبادة المدنيين الضعفاء وشاهد العالم مرة أخرى الصورة الحقيقية للكيان الإسرائيلي والغرب، صورة الوحوش والقتلة الأكثر شراسة على كوكب الأرض.
إن المشاهد التي نقلتها فضائيات العالم عن احتجاز آلاف المدنيين الفلسطينيين في ملعب اليرموك وقبلها في ساحة فلسطين في غزة وتجريدهم من ملابسهم أمام النساء والأطفال، تكشف مدى وحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي وعقيدة الحقد العنصري التي تربى عليها، والمستنسخة من القهر الذي عاشه اليهود على أيدي النازيين وباعته الحركة الصهيونية التي قامت على أسس عرقية وقومية لا علاقة لها بالديانة اليهودية، بل لم تكن يوما مهتمة بالدماء اليهودية التي سفكها الجيش النازي بـقدر اهتمامها بقبض ثمن تلك الدماء لبناء مشروع الدولة الصهيونية على حساب سفك الدماء الفلسطينية، وغدا الدماء العربية لتحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”.
أربكت عملية طوفان الأقصى بكل تأكيد الكيان الإسرائيلي عسكريا وسياسيا وخلخلت حكومة الاحتلال وشقت صفوفها، ولم تكن نزهة كما كانت تتوهم قوات الاحتلال، ولكنها لم تكن السبب في إعلان هذه الحرب لإبادة الشعب الفلسطيني وتدمير مقومات الحياة لديه وإرغامه على النزوح والسير مجددا في طرق الشتات والضياع بعيدا عن فلسطين، فهذا الكيان العنصري لم يؤمن يوما بحل الدولتين وفي المقابل لم تتخل المقاومة الفلسطينية بكافة أطيافها ومكوناتها ومن ورائها الشعب الفلسطيني عن حقه في الحياة وفي إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
تعرف الولايات المتحدة جيدا أن الكيان الإسرائيلي لن يقبل بحل الدولتين بل يعمل وفق عقيدة الحركة الصهيونية التي قال بايدن نفسه، علنا وفي أكثر من مناسبة، إنه ينتمي إليها، على إقامة مشروع ما يُسمى بإسرائيل الكبرى، وتعرف أيضا أن أوسلو كانت غلطة تاريخية وتداركها اليمين المتطرف ويعمل منذ سنوات على وأدها، وهذه الحرب الوحشية هي في الواقع مقدمة لذلك المشروع.
إن الولايات المتحدة التي ألقت “العامل البرتقالي” في فيتنام حيث لا يزال الناس يموتون بسببه إلى اليوم، كما قال السياسي والصحفي الفرنسي جون لوك ميلونشون، والذين ألقوا القنابل الذرية على هيروشيما وناجازاكي، وأسقطوا أكبر قنبلة في العالم على أفغانستان، ودمروا العراق، لا تكترث ولن تكترث لمشاهد أشلاء الأطفال والنساء ولن تتوقف عن استخدام سلاح الفيتو لاستمرار قتل الفلسطينيين بالقنابل الأمريكية التقليدية والذكية.

شاهد أيضاً

قرار فرض الضريبة على النقد الأجنبي، ما بني على باطل فهو باطل ….

بقلم : آمنة الهشيك / أستاذ قانون. صدر حكم محكمة الخمس الابتدائية بتاريخ (29/4/ 2024) …