فتحية الجديدي
يعج الشارع الطويل المؤدي إلى مكان إقامتي «المؤقتة» خلال المدة الماضية بالبلد الشقيق بالمقاهي والمحال التجارية والخدمية، ما منحه ملمحاً صاخبًا، وسط تشابه لا تخطؤه النظر ببعض تفاصيل شوارع في بلادي. كنت أسير لأكثر من نصف ساعة ولا أشعر بالتعب، فذهني منصرف لتتبع كل المستجدات الطارئة، بالرغم من استهجاني انتشار محال الصرافة – بأعداد تفوق تلك الموجودة في منطقة الظهرة بطرابلس – ونظيراتها الخاصة بالاتصالات وتأجير «أو كما يقال هناك كراء» السيارات. في ذاك الشارع الذي مخرت عبابه جيئة وذهاباً لأيام عدة، بدا إيقاع المساء مختلفًا عن نمط النهار، وكأن رياح الصبا المنعشة تحمل في طياتها عورض رفاهية للزوار، وتنقل معها رائحة الطعام اللذيذ والأكل المحلى وأطباق أصيلة وأخري وافدة، حيث يحضر بقوة «الكسكسي» و«العصبان»” الليبيان – وآه من «الكسكسي» أكلتي المفضلة. مشاهدات لم توفر براحات للاكتشاف إلا تلك الصورة التي استوقفتني لوقت طويل وزرعت فضولًا داخلي لمعرفتها والاقتراب منها ونبش ما بداخلها .. كانت كنيسة «العوينة» القديمة بحيّ الطيب المهيري والتي تحوّلت إلى قاعة للملاكمة تابعة للنادي الرياضي بالحرس الوطني، يعود تاريخها إلى سنة 1932. تسلّمتها الدولة التونسية من الفاتيكان بمقتضى اتفاقية 1964، وتعهّدت برعايتها واستغلالها لأنشطة ثقافية تتلاءم مع ما يستوجبه وضعها الروحي من احترام. هذه التحفة المعمارية مقرّ لا يمكن لزائريه إلاّ أن يقدّروا من خلاله رعاية الدولة التونسية للمواقع ذات الطابع القدسي الخاص، في رسالة واضحة للعالم، واعتبرت كأحد عناصر التنوع الثقافي بالبلاد والوقوف على هذا التنوع الذي عرفته تونس على مر السنين دعم ثقافة التعايش السلمي المشترك. دخلت اليها بأسئلة عديدة المحملة بالثوابت غير المدهشة .. أتراه يكون هناك تفاوت في النقيض التربوي المرتبط بالعقيدة مع ملامسة هذا النقيض المقابل المتمثل في المعمار. «حيث شاهدت السقف الشاهق والزخارف التي تحمل خصوصية المكان واللغة البصرية للنقوش القديمة وهو اختلاف عن معمار الرموز الإسلامية المتعلقة بالحروف والكلمة”.