منصة الصباح

غزالة‭ ‬ترغلات‭ ‬1

نقوش
بقلم /منصور‭ ‬ابوشناف

سالمه‭ ‬او‭ ‬غزالته‭ ‬وسنيورته‭ ‬الان‭  ‬بدت‭ ‬له‭ ‬ومنذ‭ ‬دخولها‭ ‬لبيت‭ ‬السنيورة‭ ‬‮«‬غزالة‭ ‬وحسناء‮»‬‭ ‬جديدة‭  ‬تمثالا‭ ‬طرابلسيا‭ ‬جديدا‭ ‬كانت‭ ‬وهي‭ ‬ترتدي‭ ‬ملابس‭ ‬السنيورة‭ ‬وتتعثر‭ ‬في‭ ‬كعبها‭ ‬العالي‭ ‬تعاني‭ ‬حقا‭ ‬الآم‭ ‬التحول‭ ‬التي‭ ‬عاناها‭ ‬ليلة‭ ‬مسخه‭  ‬كان‭ ‬أيضا‭ ‬‮«‬بروب‭ ‬سنيور‮»‬‭ ‬ميت‭ ‬وكانت‭ ‬بملابس‭ ‬وحذاء‭ ‬سنيورة‭ ‬مطرودة‭ ‬من‭ ‬بيتها‭ ‬الليبي‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬جذبته‭ ‬برائحة‭ ‬الوديان‭ ‬التي‭ ‬غادرها‭ ‬وكانما‭ ‬كانت‭ ‬تناديه‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الوديان‭  ‬كانت‭ ‬تفكه‭ ‬من‭ ‬اسر‭ ‬‮«‬السنيورة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬حولته‭ ‬الى‭ ‬رجل‭ ‬كامل‭ ‬يسعى‭ ‬على‭ ‬قدمين‭ ‬وكان‭ ‬يراها‭ ‬تتحول‭ ‬الى‭ ‬سنيورة‭ ‬كما‭ ‬رأها‭ ‬وهو‭ ‬يتأمل‭ ‬‮«‬التمثال‮»‬‭ ‬غزالة‭ ‬مسخت‭ ‬مثله‭ . ‬كان‭ ‬وعبر‭ ‬سالمة‭ ‬وتحولاتها‭ ‬يرى‭ ‬ويشم‭ ‬كل‭ ‬تفاصيل‭ ‬الغزالة‭ ‬والحسناء‭ ‬ويشم‭ ‬روائح‭ ‬الوديان‭ ‬والبحر‭ ‬الطرابلسي‭ .‬
في‭ ‬تلك‭ ‬الاثناء‭ ‬كان‭ ‬العقيد‭ ‬القذافي‭ ‬يخطب‭ ‬في‭ ‬زواره‭ ‬ويعلن‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية‭ ‬والنقاط‭ ‬الخمس‭ ‬كان‭ ‬يعلن‭ ‬بداية‭ ‬التحول‭ ‬الشامل‭ ‬بداية‭ ‬الثورة‭ ‬الثقافية‭  ‬ويعطل‭ ‬كل‭ ‬قوانين‭ ‬العهد‭ ‬البائد‭ ‬‮«‬‭ ‬الملكي‭ ‬‮«‬‭ ‬ويمنع‭ ‬كل‭ ‬الكتب‭ ‬الصفراء‭ ‬ويأمر‭ ‬باعتقال‭ ‬كل‭ ‬المرضى‭ ‬‮«‬المثقفين‮»‬‭ ‬كما‭ ‬يعرفهم‭ ‬العالم‭ ‬فالقوانين‭ ‬كانت‭ ‬سدا‭ ‬ضد‭ ‬سيول‭ ‬الثورة‭ ‬والمثقفون‭ ‬والحزبيون‭ ‬ليسوا‭ ‬الا‭ ‬مرضى‭ ‬بالجرب‭ ‬الفكري‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬عزلهم‭ ‬عن‭ ‬المجتمع‭  ‬كي‭ ‬لايستمر‭ ‬المسخ‭ ‬والتشوه‭ ‬الحضاري‭ .. ‬كانت‭ ‬الميادين‭ ‬قد‭ ‬بدأت‭ ‬تغص‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬مناصرة‭ ‬للاخ‭ ‬العقيد‭ ‬في‭ ‬معركته‭ ‬ضد‭ ‬الارث‭ ‬الإيطالي‭ ‬والإنجليزي‭ ‬والملكي‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬قيود‭ ‬الماضي‭ ‬البغيض‭ ‬‮«‬كما‭ ‬ظل‭ ‬يهتف‭ ‬راديو‭ ‬وتلفزيون‭ ‬الثورة‭ ‬الفتية‮»‬‭ ‬كان‭ ‬بطلنا‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاثناء‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬اريكة‭ ‬‮«‬‭ ‬السنيورة‮»‬‭ ‬حيث‭ ‬قرأت‭ ‬له‭ ‬فصلا‭ ‬عن‭ ‬الجحيم‭  ‬وحيث‭ ‬حذرته‭ ‬من‭ ‬الانمساخ‭ ‬والتحول‭ ‬وعذاباتهما‭ ‬وكانت‭ ‬سالمة‭ ‬ودون‭ ‬ان‭ ‬تلتفت‭ ‬إليه‭ ‬تخلع‭ ‬مسرعة‭ ‬ملابس‭ ‬السنيورة‭ ‬وتلقي‭ ‬بها‭ ‬متناثرة‭ ‬عبر‭ ‬الصالة‭ ‬الواسعة‭ ‬لتقف‭ ‬عارية‭ ‬تماما‭ ‬تلف‭ ‬حول‭ ‬نفسها‭ ‬كغزالة‭ ‬تفك‭ ‬عنها‭ ‬قيودا‭ ‬قاسية‭ ‬كانت‭ ‬تكبلها‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬كحورية‭ ‬بحر‭ ‬تتخبط‭ ‬على‭ ‬رمال‭ ‬طرابلس‭ ‬لتهاجمها‭ ‬كلاب‭ ‬طرابلس‭ ‬الجائعة‭ .
اخرجت‭ ‬رداءها‭ ‬الليبي‭ ‬وارتدته‭ ‬مسرعة‭ ‬ثم‭ ‬اندفعت‭ ‬خارجة‭ ‬إلى‭ ‬الميدان‭ ‬وهي‭ ‬تولول‭ ‬مزغردة‭ ‬وغابت‭ ‬عن‭ ‬بصره‭ ‬لوقت‭ ‬قصير‭ ‬ثم‭ ‬رأها‭ ‬وهي‭ ‬تملأ‭ ‬شاشة‭ ‬التلفزيون‭ , ‬كانت‭ ‬غزالة‭ ‬طرابلس‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظات‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬وبحث‭ ‬عن‭ ‬رائحة‭ ‬الوديان‭  ‬رائحتها‭ , ‬في‭ ‬ارجاء‭ ‬البيت‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يجدها‭  ‬فاحس‭ ‬بانها‭ ‬تبتعد‭ ‬كثيرا‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يراها‭ ‬قريبة‭ ‬تملأ‭ ‬شاشة‭ ‬التلفزيون‭ . ‬
خرج‭ ‬باحثا‭ ‬عنها‭ ‬وسط‭ ‬جموع‭ ‬الميدان‭ ‬ولم‭ ‬يجدها‭ ‬فمضى‭ ‬الى‭ ‬التمثال‭ ‬حيث‭ ‬لاتزال‭ ‬الغزالة‭ ‬والحسناء‭ ‬متسمرتين‭ ‬وحيث‭ ‬لاتزال‭ ‬الحسناء‭ ‬تتكيء‭ ‬على‭ ‬كتف‭ ‬غزالتها‭ ‬رغم‭ ‬الزحام‭ ‬والضجيج‭  ‬واحس‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬بهشاشة‭ ‬الحسناء‭ ‬وضعفها‭ ‬فهي‭ ‬تمسك‭ ‬بعنق‭ ‬الغزالة‭ ‬مرهقة‭ ‬وكأنما‭ ‬تستجديها‭ ‬التفاتة‭ ‬نحوها‭ ‬منذ‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬بالتحديد‭  .  

فصل‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬الكلب‭ ‬الذهبي‮»‬

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …