منصة الصباح

عن تاريخ القبح والجمال .. إيكو يتحدث

نوتة ..

د.نورالدين محمود سعيد

أمبيرتو إيكو، يهاتف القبح، يعيد النظر في الجمال من خلال نظرة فاحصة ومتمعنة في القبح، يعلن بإعادة النظر في الحدود، أنه يستلزم وجوباً فتح النص التأويلي على مصراعيه وهدم حدود التأويل.. بعد كتابه الموسوم بــ (تاريخ الجمال)، يغوص أمبيرتو إيكو في مفاهيم أخرى للقبح، في كتاب آخر وهو (تاريخ القبح).. يذهب مباشرة كعادته الى نبش التاريخ، ويرتكز على الفروقات التي تناول فيها البحاث والفلاسفة والكهنة ماهية القبح في العصور الوسطى، ثم ينتقل إلى عصر النهضة الإيطالية ويمتزج مع مفاهيمها للقبح.. ففي كتابه تاريخ الجمال يعيد تحديد الفروقات بين الجمال والجاذبية، هذا جميل جذاب، وهذا جميل، ما سر الجمال المحض، ما سر الجمال الحاوي على الجاذبية؟.

كثيرة هي شخصيات النجوم من الممثلات مثلاً، التي تمتلك قدراً كبيراً من الجمال، ولكن ما تراه أنت جميلاً لا أراه أنا جذاباً، فهل ثمة في الجاذبية سر؟ ما السر في الجاذبية؟.

لأول وهلة خطرت في بالي هذه الأسئلة وأنا أتصفح ملخص الكتاب الأول (تاريخ الجمال). ثم ما هو السر بين الجيد والجميل الجيد، كلها أسئلة تجيب عنها فلسفة أمبيرتو إيكو في هذا الكتاب.

قد ننبهر ببطل تاريخي ونحاول تقليده، لكننا لايمكن بأي حال من الأحوال أن نمتلكه، جودته تسحرنا من خلال بطولاته، لكنه ليس نحن. هنا الفارق.

ومن جهة أخرى فإن الجمال يستهوينا، ويمككننا سرقته بأي شكل من الأشكال، حتى بالتحايل يمكن أن نفعل هذا. يحيل الجمال شخص مجنون به إلى سارق، يرى السارق لوحة الجيوكوندا يتحايل ويسرقها من اللوفر أو من أي مكان تتواجد فيه رغم أنف العسس، لا ليعرضها للناس من الدهماء أو من الخواص، ولكن ليحبسها في قبو، لأنه يحبها ويعتبرها من ممتلكاته الخاصة، السارق مهووس بالجمال في واقع الحال، بيد أنه لايستطيع أن يسرق شخصية نابليون أو جمال عبدالناصر لأنهما ببساطة ليس هو.

ويمكن لمهووس الجمال أن ينطلق كالسهم إلى خشبة المسرح ويسلم على مغنية أو يقبل ممثلة تستهويه وإن كان على كره منها. ليس الجمال ما يودي الى هذا الهوس، لكنها الجاذبية. (تاريخ الجمال عند إيكو، ينطلق من هنا).

في كتابه تاريخ القبح يصبغ مفاهيمه الجديدة حول القبح بميوله إلى تعاليم ظاهراتية لكنها عميقة بالنسبة للقيم الأخلاقية، باطنية إلى أبعد حد رغم سهولة فهمها، كيف؟.

يذهب مباشرة إلى العصور الوسطى ويقوم بعملية تحليل نفسي محضة، والأهم أن هذه العملية نابعة من إجراءات فلسفية مابعد حداثوية، أقصد معاصرة لعقل أمبيرتو إيكو، أو لنقل أن عقل أمبيرتو إيكو، أثر فيها. لاتتعقدوا سأشرح لكم:

في العصور الوسطى عانت العجائز القبيحات، والفتيات القبيحات أيضاً، من سوء الطالع، الواقع إنهن لم يتعرضن لأي نوع من أنواع الفالج، بل سلموا أحكامهم إلى الله من خلال الشعائر، فالعصور الوسطى كانت عصر الدين بامتياز في العالم المسيحي كما يعلم الجميع. فاتجه الناس الى تصديق أن العجوز القبيحة هي الأكثر من دون البشر تأثيراً بعينها الحاسدة التي يمرض الأطفال مباشرة بعد رؤيتها لهم، وقد ترديهم قتلى في مهدهم، وكذا الفتاة القبيحة تفعل هذا.

في عصر النهضة إختلفت منهجية التفكير من خلال الفكر التنويري، وتأثر الدين بالحرية أو بالأحرى نزع عنه ما تلبسه من زيف وكذب كهنوتي وبراغماتي كان يمارسه القساوسة باسم الله بهتاناً. جاء بعض الكهنة بفكر إنساني مغاير وقالوا أن المرأة الدميمة سمة رحمة وإنسانية وكابح جوهري لفعل الرذيلة والعهر منها في ما إذا كانت جميلة، فالجمال هو مايستهوي أعين الخبثاء فيسقطون في الرذيلة والفحشاء،

ويذهب أمبيرتو إيكو الى أبعد من ذلك، فيقول أن العالم قد حولته الصناعة في نهايات القرن التاسع عشر إلى غول دميم وأمثولة في القبح يأكل فيه القوي الضعيف.

المختصر أن القبح في المنظور الإيكوي  (إيكو) ، ليس مجرد قبح، لكنه عالم يفضي إلى الكثير مما هو غامض وبديع في حياتنا الإنسانية المعاصرة>>.

ملحوظة:

قد لاتجدون الكثير من هذا الكلام في كتاب إيكو هذا لأنها وجهة نظر ممزوجة بما كتب وما لم يكتب.

 

شاهد أيضاً

زليتن تشهد استقرارًا في الأوضاع بعد أزمة المياه الجوفية

تواصل وزارة الحكم المحلي جهودها للسيطرة على الأوضاع في بلدية زليتن وتعويض المتضررين وإيجاد حلول …