بقلم / علي مرعي
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيعلن عن بنود ما يسمى «صفقة القرن» لحل القضية الفلسطينية يوم غد الثلاثاء , المشكلة ليست هنا , وإنما كيف لعاقل أن يفهم أن حل مشكلة ما تتم بغياب أصحاب القضية , أو على الأقل دون علمهم.
يبدو أن الإدارة الأمريكية قد شعرت بعقدة الذنب مؤخرا وأصبحت في عجلة من أمرها لإنصاف الشعب الفلسطيني الذي ظلم لأكثر من سبعين عاما على يد المحتل الصهيوني – طبعا من باب التهكم- .
لم تشهد الولايات المتحدة رئيسا أحمقا وساذجا وغبيا كالرئيس ترامب, وهذا باعتراف أغلب المحللين السياسيين , فترامب يحاول في كل مرة الهروب إلى الأمام للتغطية عل فضائحه , مرة بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران , ومرة باغتيال قادة إيرانيين وعراقيين , ومرة بالتغطية على قتلة الصحفي السعودي جمال خاشقجي واليوم نراه يخرج علينا بشرح مفصل حول «صفقة القرن» , كل هذه السياسات لا تنم سوى عن محصلة واحدة وهي أن الإدارة الأمريكية تعيش مأزقا حقيقيا داخليا وخارجيا, وبالتالي فإن ترامب يسعى إلى تلميع صورته استعدادا للانتخابات الرئاسية المقبلة.
الفلسطينيون عبروا عن استيائهم من محاولة ترمب التحدث باسمهم ووضع الخطوط العريضة لحل قضيتهم , فالسلطة الفلسطينية أعلنت بأنها ليست على علم بما سيقوم به ترمب خلال الساعات المقبلة , بل أكثر من ذلك فقد تفاجأت بالأمر .
إن العتب ليس على الرئيس الأمريكي, بقدر ما هو عتب على القيادة الفلسطينية نفسها التي لم تدرك بعد أن التعويل على الولايات المتحدة لحل قضية الشعب الفلسطيني هو نفسه التعويل على الكيان الصهيوني الغاصب , وأيضا ما هو الجديد الذي سيقدمه ترمب للفلسطينيين ? .
من المؤكد فإن البنود التي سيفصح عنها الرئيس الأمريكي لن تكون لصالح الشعب الفلسطيني على الإطلاق ,ولن تكون بمستوى الطموحات لقيام دولة فلسطينية كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشريف , كما لن تكون لصالح اللاجئين وعودتهم إلى ديارهم استنادا إلى القرار الدولي رقم 194 , وكذلك لن تكون هذه البنود في مجملها لصالح الشعب الفلسطيني.
إن المسألة لا تتعدى كونها الإمعان في تكريس الكيان الغاصب وإعطائه المزيد من الشرعية الدولية وحرمان الشعب الفلسطيني من أبسط حقوقه المشروعة التي كفلتها كل المواثيق والقوانين والقرارات الدولية للعيش بأمن وسلام كبقية شعوب الأرض.
وحري بنا أن نتساءل بشيء من المنطق عن دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن حيال ما يخطط للفلسطينيين بشكل أحادي ومنفرد بعيدا عن الشرعية الدولية ? إن الإجابة باتت معروفة سلفا , فالكيان الصهيوني بما يمثل من أوراق و»لوبيات» ضاغطة استطاع أن يفرض شروطه وسياساته على العالم , بل أكثر من ذلك فقد ضرب بعرض الحائط وما زال, كل القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
إن «صفقة القرن» التي تنادي بها الولايات المتحدة, بالتأكيد سوف لن تجد آذانا صاغية من الشعب الفلسطيني حتى ولو فرضنا جدلا أن القيادة السياسية الفلسطينية قبلت بها , فهناك دلائل وشواهد تثبت أن أي حل يمكن أن يطرح ولا يأخذ بعين الاعتبار الحقوق المقدسة للفلسطينيين لن يمر , ولن يجد له طريقا للحل , وبالتالي فإن الشعب الفلسطيني الذي قدم مئات الآلاف من الشهداء ومثلهم من الجرحى ناهيك عن اللجوء والتيه لن يقبل بأن تختزل قضيته العادلة بحلول تلفيقية من هنا أو هناك, وفرض سياسة الأمر الواقع عليه للقبول بالحدود الدنيا من حقه المغتصب.
من المؤسف حقا اليوم أن تتحول القضية الفلسطينية من قضية مركزية للعرب إلى قضية ثانوية أو هامشية , فالبعد القومي لم يعد موجودا ولا حتى البعد الإسلامي , الكل بات ينظر إلى الفلسطينيين وكأنهم باتوا يشكلون عبئا ثقيلا عليهم وعلى دولهم وخصوصا تلك الدول التي يتواجد بها مئات الآلاف من اللاجئين , وأكثر ما يخشونه أن يفرض عليهم توطينهم وإدماجهم داخل مجتمعاتهم .
وأمام ما يحاك من قبل الصهاينة والأمريكان من سياسات خبيثة وعدوانية لإنهاء القضية الفلسطينية وطمس حقوق الفلسطينيين فإن الدعوة باتت ملحة أكثر من أي وقت مضى لتعزيز الموقف الفلسطيني ونبذ الخلافات وتسخير كل الجهود ورسم رؤية استراتيجية موحدة لمواجهة هذه المخططات التي تستهدف من هم في السلطة ومن هم في حركات المقاومة على حد سواء.
لقد اختار ترمب التوقيت الصحيح للإعلان عن بنود «صفقة القرن» , فالوضع العربي مترد ويعيش أجواء من الحروب والانتفاضات الشعبية وصراعات مذهبية وطائفية , لتمرير هذه الصفقة وغيرها من الصفقات .
لكن ,عن أي «صفقة قرن» يتحدث ترامب? ونحن نعلم أن الصفقات لا تتم إلا في الأعمال الاقتصادية والتجارية , أما أن يسقط صفقاته على شعب عانى وتشرد وتعذب لعشرات العقود, فتلك برأيي «صفاقة القرن» , لأن الأمريكان يحاولون ومنذ زمن طويل إنهاء القضية والتخلص من أعباء الفلسطينيين وقد أيدهم في هذا الطرح بعض العرب وخصوصا بلدان «البترودولار» .