منصة الصباح

ظل وضوء

نصرالدين علي

هكذا هو عبق طرابلس بلونيها االابيض والاسود ،  قد  يكمن في هذين اللونين الجمال كله ،  طرابلس   الحب ـ  هكذا كان  يجب على القدامى ان يسموها اضافة الى مسمياتها الاخرى  ، القصة  تطول ليس من  هنا فقط ،باقواسها  المنحنية ، تلك   القصيدة الوحيدة المختفية تحت تلك  الاقواس تمتد ظلالها تحت شرفاتها بصورة تفوق الوصف تمتزج مع   ساحلها  لتلقي   الف قصة وقصة ،

ـ ذاكرة موسومة بالحنين ، هكذا رتل أصغر شعرائها

(لاوقت لهذه التراتيل،  عندما تزور الشمس هذه البيوت تبدوا الاشياء ليست كماهي عليه قبل ساعات فلكل وجه ظل ولكل ظل حكاية )

نقوش محفورة على ابواب اسوارها  ،

(كما لو انها الحلم وكما لو اني  احببتكِ والف مدينة تختبيء في رأسي  أبحث ُ فيها عنكِ ،  لاشيء ينبئني بكِ سوى حلم  بلله المطر ) عجبا

(كيف سقط كل هذا من ذاكرة القلم  وكأنك ِ البرتقال يبتعد عن جسد الشجرة) ،

تعرجات جدرانها  القديمة قصائد عشق تحفر نبضها على ازقتها الضيقة تلتمس لها عبيرا مخلوط  بالياسمين ،

عبرها  المغتربون، ذاب  في عشقها  الساكنون ، تجرأت   مرات عديدة ان تقذف  كرهها  بحجارة من  حب ، يمد اللون الازرق يديه  للابيض فيوشوش  له كل صباح  تاركا خلفه  همسات الغروب ،

(لازالت عبارات المساء وروح الصباح ..ووجوه العابرين  ووجهكِ ..الضباب لايسع الطريق  عبر  الوقت  ينتهي كل شيء ..، ويبدأ  كل شيء )

تبدأ حكاية طرابلس  كل صباح  منذ  ثلاث  قرون  تطل ابوابها جميعا على  ساحل  خجول يسبق هدوءه غضبه ،  أجزاء متساوية او ربما زوايا   وفراغات ملونة بلون رمادي هكذا وجهها من الاعلى ،  لم تكن  طرابلس منذ ثلاثمائة عام  الا بيوت يملاها اللون الترابي وحواشي  تنتفض  فزعا عندما ترى وجه الشمس ، التقى بها العديد من الشعراء رسم وجوه نسائها الفنانون اختلجت في أزقتها رائحة  ( الفراشية )، تتجدد طرابلس   عبر السنين وكانها تلفظ  خريفا بعد  آخر  استقبلت  زوارها  وعابريها   باجمل الوجوه التي  تنم  على اصول افريقية عربية  تتميز حتى في  ماترتديه من   اقمشة  ،

أعلنت   منذ  1874  على اهميتها وتواجدها الجغرافي  ،  بل وفرضت على المتوسط هيبتها وشموخها ، جعلته يحسب لها الف حساب ، تتسارع بها الايام والسنون  وكانها لمح بالبصر ،  لم تفلت طرابلس  من ان تؤثر وتتاثر  بمن قطنها وجاءها متداركا سبله نحو الحياة حتى صارت عاداتها ولهجاتها خليط بين هذا وذاك لم يجمع بينهم سوى الشوق لجدرانها القصيرة ،ورائحة خبزها الاسمرالذي  يفوح  بين  ياسمينها المتناثر ،  بل تراكمت وازدحمت الدقائق على تجاعيد  وجوه  صانعي  الاحذية والباعة في  أزقتها الضيقة  ، لن تميز  في عصر من العصور بين طبقات مجتمعها ، الذي  يغلب عليه طابع   التمدن المحمول على كف الصحراء ، حتى نبتت معالم الموريسكيون في حواشي طرابلس  الذين جلبو معهم  احداثا جديدة للمدينة     بلغة  الموسيقى الخاصة بهم التي  ستعرف  فيما بعد بالموشحات ولتتخصص  اكثر واكثر لدى  طرابلس  لتعرف بالمالوف الذي صار علامة مميزة لمدينة طرابلس  القديمة والحديثة ،لازالت حتى يومنا   هذا ترسم ملامح  خاصة بها ولغة مغايرة عن سائر المنطقة ، لم تفلت طرابلس  من التنوع والخليط من الاجناس  كظهورطوائف عديدة من بينها اليهود  والمسيح ، حتى في  الشكل العام  ولكن لم تستطع اي من الديانات  فرض نفسها على المنطقة الا الاسلام الذي  كان ولازال يميزها  منذ الفتح الاسلامي ، مساجدها ذات اللون الابيض المميزة لازالت تشهد على تشبث المدينة بالاسلام مهما تغيرت الحقب ،  معالم كثيرة رسمت وجهها البحري ،هكذا جرت عاداتها

لم يخلوبيتا فيها من خبز وسمك ، قمح وشعير ،صوف وحرير  هذا التضاد الممزوج بمعالم وسلوكيات خاصة لمن سكنها ،  هذه هي  طرابلس لن تجد قصيدة   اكثر جمالا من اسمها وعبقها)…. عجبا

(كيف سقط كل هذا من ذاكرة القلم  وكأنهاِ البرتقال يبتعد عن جسد الشجرة.

شاهد أيضاً

بحضور المدير التنفيذي للمؤسسة الوطنية للإعلام: اختتام الدورة التي اقامتها هيئة الصحافة في مجالات الادارة الحديثة

اختتمت اليوم الخميس 21 نوفمبر بالهيئة العامة للصحافة الدورة التدريبية التي نظمتها الهيئة العامة للصحافة …