فتحية الجديدي
شاركني ليلتي عندما جاء مطلاً بوجهه المبهج وابتسامته الرصينة يحمل في يديه ثلاث صور قديمة وبالأخرى قلماً مطلياً باللون الذهبي، مرتديا قميصه النبيذي الذي أعرفه وبنطاله الأسود ولازال حوار عينيه العسليتين ظاهراً.
لم يكلمني في بادئ الأمر، بل ظل يرمقني وكأنه يراني لأول مرة، بل استغرب ملامحي التي أصابها التغيير بعض الشيء، بعد تسعة عشر عامًا، لكنه أخبرني بسر عني لم أكتشفه فيما سبق، عندما همس لي بصوته الخافت مع ضم شفتيه “ أنت خائفة من رؤيتي والدليل أنك أخفيتي كل صوري .. أعرف بأنك تخافين من الذكريات التي هي جزء كبير منك !”
لم أعِ ما أخبرني حالاً، بعد أن طلب توقيعي على صور تم التقاطها لامرأة ورجل في أحد الساحات العامة بإحدى الدول المجاورة أثناء سفرهما لقضاء شهر العسل وأخرى تجمعهما في أحد الشوارع الجميلة بمدن زاراها معًا.
سألني : ماذا تتوقعين أن يكون الحوار الذي كان قائًما في تلك اللحظات ؟
أجبته .. كلام عن الحب وكيف يأتي النصيب لشخصين مختلفين ولايعرفان بعضهما ويكون السبب غير متوقع كمقال في أحد الصحف مثلاً، أو أنها تحدثه عن نفسها بأنها القوية العصامية التي تعارك الحياة بوعيها وتسير بمفردها غير آبهة بما يحصل حولها، لكنها تخاف من المجهول حتي ظهر لها ذاك الرجل الذي أمسك بيدها واحتل مساحة كبيرة من قلبها.
قال: هل تعلمين أن هذا الرجل اختفى عنها وظلت مسكونة بمخاوفها إلي غاية اللحظة!
علقت قائلة : نحن لا نملك أقدارنا وكل اللحظات نحن من نصنعها وتظل في الحياة مجرد صور قديمة، فرد : لكنها تساوي تلك اللحظات التي تكون حياة بأكملها، نحيا بذكرياتنا لكننا نسير دائمًا صوب اللحظات الأخرى وكلها نحن. وداعًا أيتها الساكنة في قلبي وأعرف بأنك كذلك، لأنك صاحبة تلك الصور التي تذكرك بي.