منصة الصباح

بروفايل الصباح| صالح الأبيض.. الذي لم يخذلنا وقاوَم لأجل أن نبتسم ونسخر من الوجع

دخل قلوبنا وقدّم لنا هداياه الفنية، ثم غادرنا مبتسمًا، وكأنه يقول لنا: واجهوا كل شيء بالضحك، واجهوا ما تعيشونه من أزمات بالسخرية منها، لا تعطوها أي مجال لتنال منكم وتسرق ضحكاتكم. وكان هذا واضحًا في آخر صوره قبل أن يرحل، وهو يقاوم ابتسامته بهدوء، لم يكن ينوي تركنا بصورةٍ حزينة، أو بملامح يغلب عليها طابع الجِدّية.

صالح الأبيض، عرفناه قبل عقود مع أشهر أعماله المسرحية “كوشي يا كوشة”، حينها شاهدنا العمل المسرحي بشغف ومتعة واشتياق ودهشة، وأسئلةٍ منها، كيف نجح هذا الفنان في جعلنا نضحك بهذا الشكل؟

كوشي ياكوشة، كانت صرخةً في وجه الفساد والجهل. من خلالها تنفسنا معها لأنها رَوَت ما في عقولنا من هواجس وأسئلة، عن المسؤولين وعن المشاريع عن البنية التحتية عن الفن عن الجريمة والعقاب.

هذه المسرحية أعادت ثقتنا بالمسرح، ذكّرتنا بأن لنا نجوم وكُتّاب ومخرجين، مازالوا يعملون على طرح ما في قلوبنا من آهات وحسرة، من الأعوام التي تضيع في زحمة الحياة وتقلباتها.

ورّطتنا مسرحية “كوّشي ياكوشة” مع أحلامنا المنسية التي كنا نعتقد أنها لن تصحو، فتحت عيوننا على واقع جديد للمسرح، وطرحنا الأسئلة بجرأة متهورة، هل بدأ فعلاً “العصر الذهبي للمسرح” في ليبيا الآن؟ وكيف ستكون الأعمال المسرحية القادمة، هل سنرى ما لا نتوقع أن نراه؟ وهكذا بدأت الأسئلة تتسرب شيئًا فشيئًا.

بدايات هذا الفنان الكبير، بدأت في فترة الثمانينيات، وتحديدا مع المهرجان المدرسي، ومن تلك الأعمال المسرحية “القاضي بوسعدية” و”نوارة” و”الغريب” و”خليل البخيل” والأشهر بالطبع “كوشي يا كوشة”، ولم يتوقف عطاءه المسرحي عند هذه الأعمال.

ما بعد العام 2011 دخل مرحلة جديدة أكثر حيوية وعطاءًا. قام صالح الأبيض بتشريح الأزمة الليبية على طريقته الأقرب إلى “الكوميديا السوداء”.

بدأها مع منوعات منها “الماشي ماشي” و”قلية والديمقراطية” و”المعنقر” و”أبيض شو” و”تغييرة جو”، وكل هذه الأعمال وغيرها الكثير، لم تصنع مرحلة جديدة في مسيرة صالح الأبيض فقط، بل في مسيرة الفن وليبيا معًا، لكونها تحكي عن بدايات الفوضى وغياب الأمن وكيف كانت ليبيا حينها. وهي أقرب إلى مرحلة التوثيق إن تأملنا تفاصيلها البسيطة والطرح الذي قدّمه هذا الفنان الاستثنائي.

من مدينته بنغازي، بدأ مشواره الكبير، تاركًا إرثًا فنيًا يُضاف إلى من سبقوه، وهذا الإرث هو إرث إنساني وفني ووطني، ممزوج بالوجع والأحلام المؤجلة، إرث لم يُصنع بين ليلة وضُحاها، بل على مدار أعوام وأعوام، كان فيها صالح الأبيض، يعمل ويكافح من أجل وطنه وفنه، من أجل زملاءه وزميلاته، من أجل الفن والثقافة، من أجل واقع ومستقبل أفضل، كان يطمح له وكان ينتظر قدومه، من أجل مدينته من أجل وطنه، الذي كُنّا نراه في أعماله التي لن ننساها لأنها ملاذنا الصالح الذي صنعه قلبهُ الأبيض والنقيّ.

حمزة جبودة

شاهد أيضاً

عكاشة ونتنياهو.. توافق على العدوان أم خوف من الرد؟

أحلام محمد الكميشي أصدر وزراء خارجية 31 دولة عربية وإسلامية، أول أمس الجمعة، بيانا نددوا …