منصة الصباح
زكريا العنقودي

صحافة 1083 قمح والا شعير ؟؟!!

زكريا العنقودي

ثمانينيات وكنا نجلس بصالة التحرير بمقر صحيفة (الفجر الجديد ) بزاوية الدهماني بمجمع الامانات سابقا ، كانت ليلة صيف جافة فلم تكن بتلك الايام اجهزة تكييف ، لكننا كنا بالدور الثالث نفتح ياقات قمصاننا و ننعم ببعض نسيم البحر المقابل للمبنى بعد ان اشرعنا كل النوافذ وأبواب الشرفات .

كنا بحالة انتظار في تلك الساعات ، وكان الوقت قد تجاوز منتصف الليل ، فاليوم كان حافلا بالنشاط السياسي لذا كانت عيوننا جميعا مسلطة على ٱلة ارسال الاخبار من وكالة الانباء والتي اصرت تلك الليلة على أن تمدنا بالاخبار بالتقسيط الممل .

كانت الصفحة الاولى تحت يدي الزميل (الخافي بنور) رحمه الله ، والذي كان يستشيط غضباً فالصفحة بكامل طُهرها وبياضها لاخبر على ( الماكيت) بل ولا حتى عنوان ، وكذلك كانت الصفحة الثانية ، اما الصور فلم نكن نفكر في وصولها قبل اربع ساعات على الأقل .

كان انتظاراً طويلا فرض علينا غمامة من التجهم والغضب ، وفي ظل صمتنا المهيب هذا كان زميلنا (محفوظ الاحول ) رحمه الله هو مناوب التحرير تلك الليلة ، وعلى عكس عادته في المزاح والترويح عنا بالنكات ، جلس على المكتب المقابل للشرفة التي تمنح الصالة اكبر نسبة من نسيم البحري ، وكان يمتص سيجاره بنهم وينظر للسقف وكانه متصوف يناجي السماء .

فجأة تحرك من مكانه و توسط الصالة و صاح قائلا .

( اسمعوا ياولاد ياواقي عليها هالبلاد نشوفلها في يوم نوقفوا فيه كلنا نحن الليبيين على الشط و نضع اكفنا على جباهنا ونراقب مرور السفن في الافق وكل سفينة تلوح في البعيد يصيح احدنا هذه سفينة شعير فيرد عليه اخر (شعير عينك ) هذه قمح وفي الاخير تطلع السفن مجرد عابرة في المتوسط اما مقاصدها فبلاد اخرى غير ليبيا ) .

أكمل محفوظ جملته هذه وعاد لمكتبه ، لم نفهم كنه جملته تلك حينها ولا مقاصده ، فلم يكن مزاحه الذي عهدناه ، لذا حسبناها جملة فرضها عليه الغضب من طول ليلتنا وكون عملنا بالكاد ننتهي منه الا وقد اشرق الصباح وبعد ما يفتح السنفاز .

_ لا أدري ما ذكرني بهذه الحكاية الليلة سوى أنني اجلس هذه الايام واتابع الاخبار وشريط أهم الاخبار بأسفلها وهو يكرر ويعيد أن سفينة قمح رست بميناء بنغازي ويليه خبر آخر عن سفينة شعير رست بميناء طرابلس.!!

رحمك الله ياحبييي وأخي محفوظ لربما قلت جملتك تلك حينها عبثا أو مزاحا أو لربما الهام ، لكنني ها أنا وبعد ما يقارب 40 عاماً على تلك الليلة أرى و بأم عيني ما تجاوزه العالم ولا يتحدث عنه و لايحسب له حساب باعتباره من المسلمات المفروغ منها .. أراه يمر وأمام عيني في نشرات الأخبار بليبيا كحدث رئيسي وعلى قائمة الأولويات وأهم الأخبار .

وياما زال تشوف كان عينك حية .

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …