منصة الصباح

سكين المصارف

سكين المصارف

فتحية الجديدي

يعمل في أحد القطاعات العامة ويتقاضى مرتباً شهريًا نظير عمله ، وبعد قرار تعديل قيمة المرتبات وتوحيدها في جدول موحد، صار يطمح إلى أن تكون لديه سيارة جديدة وخاضعة للمواصفات الحديثة، حالماً ببعض الرفاهية، دون أن يثقل كاهله بمشاوير الورش الميكانيكية وأسعارها الحارقة.

رأي هذا المواطن الاتجاه إلى أنجع الحلول وأسهلها وأكثرها ضمانة وتلبية لرغباته – وفق تقديراته – فاقتناء سيارة جديدة لا تعاني من أعطال تربكه وتأخذ من مصاريف بيته وأسرته يبدو حلا مناسباً، لكن أنّى له ثمنها؟ ما من سبيل إلا الاقتراض من أحد المصارف التي تعمل بنظام الصيرفة والتي يطلق عليها «الصيرفة الإسلامية ».. وذهب أخونا إلى المكان مصحوبًا بأوراقه الثبوتية ومستنداته المالية ومخاطبات من جهة عمله وماشابه ، محاولًا أن يتفادى الديون الشخصية التي قد تلزمه الدفع المباشر لصاحب الدين وتضعه في حيرة من أمره ، أما أقساط المصرف الشهرية «فمقدور عليها».

لم يكن هذا المواطن سعيدًا بعد أن وقّع عقد الشراء من أحد معارض السيارات وقدرت قيمة السيارة بخمسة وثلاثين ألفاً عطفاً على قيمة مرتبه .. ولكن ظل الأمر محيرًا بالنسبة له عندما تم تسليمه سيارة بلون غريب وتم تقديرها بسعر السوق وعندما أراد بيعها أخبره صاحب المعرض أن ثمنها سيكون ثلاثين ألفًا فقط، لأن لونها « زيتوني « وهو غير مرغوب للزبائن ولشدة حاجته للحصول على سيارة مناسبة وبسعر متوسط تلبي غرضه الحياتي قام ببيعها واشترى أخرى بنصف ثمنها وعاد ببقية المبلغ ليسدد ديونه ويقضي حوائجه ويكمل ما لديه من التزامات حيال أبنائه وزوجته ، لكن لم تسعفه قيمة الشراء عندما وجد نفسه أما أقساط طويلة وقيمة السداد لا تطابق سعر السيارة الأصلي، بل سيكون هناك رقم آخر أعلى منه يصل إلى ثمانية وثلاثين ألفاً، ستضاف سنوات أخرى ليكتمل قرضه.

لا نريد مناقشة نظام هذا النوع من الاقتراض لأننا سندخل في «سين وجيم» ونحتاج للشرح أكثر من استشاري في الاقتصاد والمال والقانون والشريعة وحقوق الإنسان ، لأنه بكل بساطة يبدو جلياً وقوع المقترض بين أنياب المصرف والتاجر والسوق وقد تحول إلى فريسة الكل يجني من ورائها تحت بند الاستفادة وهي «سيارة على المصرف» ! و«موت ياحمار»، إلى أن يسدد ماعليه، وفي آخر المطاف سيارة نصف عمر ومرابحة من ظهر المواطن.والسؤال الملح أين هي الاستفادة التي من أجلها وجدت هذه الخدمة ، ومن اخترع فكرة معرض السيارات ليكون وسيطًا في سلعة لا تملكها الجهة المانحة ؟ ففي الحقيقة الموضوع محير وغاية في القسوة عندما توضع سكين على رقبة المقترض وهو موافق ، «مرغم أخاك لا بطل «.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …