سالم البرغوتي
•يقول الأديب ألبيرتو كامو: إنّ الرعب الحقيقي في الوجود ليس الخوف من الموت، بل الخوف من الحياة.
نحن نعيش تحت وطأة الحياة، نسابق الزمن والظروف، نحاول الخروج من عنقها بسلام. نريد كل شيء: حياة كريمة، وظيفة، مال، نجاح، سلامة الجسد، أبناء صالحين، زوجة مخلصة، شوارع نظيفة، كباري متينة، وحتى استراحة في ضواحي طرابلس.
لكن كل هذه الطموحات لا تتحقق بالتمنيات والأحلام، بل بالإرادة، العزيمة، العمل، الاستقامة، والإيمان الراسخ بأن بناء الوطن مسؤوليتنا جميعًا، لا أن نسرقه فرادى.
•ذات مساء، حضرت ندوة عن التراث والهوية الليبية. خلال النقاش، تطرق الحاضرون إلى مسألة سرقة الألحان الليبية وما يجب فعله للحفاظ على تراثنا الثقافي والموسيقي.
كان من بين المشرفين على الحوارية قامة موسيقية كبيرة، شخص ذو كفاءة عالية وله عدة مؤلفات موسيقية. يتميز هذا الرجل بالهدوء والخجل، ونادرًا ما يشارك في الأنشطة التي تُقام في طرابلس.
عندما أُتيحت له الفرصة للحديث، قدم سردًا شيقًا حول التراث الموسيقي، لكنه ختم حديثه بذم شخصية غنائية وموسيقية ليبية بارزة، متهمًا إياها بسرقة جهود أعضاء الفرقة الموسيقية الذين عملوا معها.
في هذا المشهد، بدلًا من أن نبحث عن طرق للحفاظ على التراث والهوية، نجد أنفسنا عالقين في دوامة الفضائح الشخصية، التي لا تسهم سوى في إضعاف قضايانا الثقافية.
•ما يميز المساجد في ليبيا هو الاهتمام بها والمحافظة على نظافتها، وهو جهد يُحسب للقائمين عليها. غير أن بعض مسؤولي المساجد يتعاملون معها وكأنها ممتلكات خاصة، فيتحكمون في استخدامها بطريقة غير لائقة.
في أحد المساجد التي كنت أتردد عليها أحيانًا، كان إمام الجمعة رجلًا ستينيًا، يتبادل الإمامة مع ابنه الذي يخضع للتدريب.
لكن كلاهما كان يتأخر عن الحضور بعد الأذان الأول، وكان الابن يدخل من الباب القريب من المنبر، بينما يدخل الأب من باب المصلين، متخطياً الصفوف ليصل إلى الصف الأول، وهو الأمر الذي كرره أكثر من مرة، رغم أنه كان ينصح الناس في خطبه بعدم تخطي الرقاب.
في حادثة أخرى، كان القيّم قد بدأ في قفل الأبواب والنوافذ عقب صلاة العشاء. وبينما كان شخص يبدو عليه القلق والتعب يدخل مسرعًا ليقضي حاجته، رفض القيّم فتح باب الحمامات الخارجي، وكأن لسان حاله يقول: “انتهى الدوام الرسمي.”
مثل هذه التصرفات الفردية، سواء في إدارة المساجد أو النقاشات حول التراث، تعكس الحاجة إلى تغيير أعمق في فهمنا لمسؤولياتنا تجاه المجتمع. فالحرص على الصالح العام يبدأ من احترام حقوق الآخرين والعمل بروح الجماعة.