تقرير: حمزة جبودة
هل سنعهد بقرار قتل الإنسان إلى مجموعة خوارزميات وبرمجيات، عبر روبرتات؟ لو طُرح هذا السؤال قبل عشرين عامًا، لوصفنا صاحبه بأنه مهووس بأفلام الخيال العلمي، أو أنه مختلّ عقليًا! لكن الواقع اليوم مع التسارع المخيف للتفتيات القِتالية المبرمجة، أصبح هذا السؤال أكثر أهمية لدى شريحة كبيرة من النشطاء والباحثين من سيطرة الروبرتات على حياة البشر.
بهذا التساؤل، يبدأ فيلم Unknown Killer Robots الذي انتجته منصة “نتفليكس” أواخر العام الماضي. وثائقي يتتبع قصة الروبوتات القاتلة، التي دخلت فعليًا في حروب إقليمية تُدار بواسطة مجموعة من المبرجمين التابعين للمؤسسات العسكرية.
ومع المشاهد الأولى للفيلم الوثائقي، تبدأ سلسلة لقاءات مع عسكريين وعلماء في مجال التقنيات العسكرية والباحثين المتخصصين، حاولوا شرح أفكارهم عن مستقبل هذه التقنيات، التي تحمل خطرًا حقيقيًا على كل البشر على الأرض.
لم يخفي الفيلم، ما يطمح له المخططون العسكريون في الولايات المتحدة الأمريكية، في منح الروبوتات المزيد من التحكم الذاتي، أي السلاح ذاتي التحكم وهو سلاح يتخذ القرارات بشكل مستقل، دون تدخل بشري، عبر تجارب عسكرية تتم في منشأة كانت تُستخدم كأستديو أفلام، في “سنتياغو، كاليفورنيا”، ثم تحويلها إلى مركز للتدريب العسكري.
ومن داخل هذه المنشأة العسكرية، قدّم الفيلم عروضًا لإحدى أهم الأسلحة وهي طائرة ذاتية التحكم “نوفا”، قادرة على إنهاء أي اشتباك مسلح، وإجراء مسح شامل لمواقع الخصم وتقديم تقارير وبيانات بإحصائيات دقيقة. وهذا العرض لم يكن الأخطر على الإطلاق. لأن الخبراء العسكريين يبحثون عن آلية استخدام الذكاء الاصطناعي وأنظمة الأسلحة الفردية، من أجل اتخاذ قرارات الاستهداف والقتل، ودمج الذكاء الاصطناعي مع هيكلية صنع القرار في الجيش. وبمعنى أدق، منح الذكاء الاصطناعي الحرية المطلقة في اتخاذ أي إجراء يراه مناسبًا، وفقًا لبرمجياته المتطورة، والتي ستتطور ذاتيًا مستقبلاً، ولن يتدخل البشر في أي إضافات أو تعديل داخل هذه البرمجيات.
ومن بين الأمثلة التي قدّمها الوثائقي، والتي تُبسّط مستوى تطور الذكاء الاصطناعي، كان مثالاً عن روبرتات المنازل، وكان على النحو التالي، إعطاء أمر بإحضار الحليب، فيكون
على الروبوت اختيار البقالة التي يذهب إليها والبحث عن الحليب ثم إحضاره إليك، بل وأكثر من ذلك، إعطاءه أمرًا بالحفاظ على الثلاجة مليئة بالطعام، وهذه درجة من الذكاء، تسمح للنظام بمعرفة ما نريده وكيف نريد تنفيذه. وإذا حدث تحدّ أو مشكلة، أو واجهته معضلة، فعليه إيجاد طريقى للتعامل معها.
ليبيا حاضرة مع روبرتات القتل
أشارت الباحثة، إميليا جافورسكي، بمعهد مستقبل الحياة، في الفيلم، إلى “تقرير أصدرته الأمم المتحدة في 2021 عن استخدام محتمل، لسلاح فتاك ذاتي التحكم في ساحة المعركة في ليبيا، وأن فريق الأمم المتحدة قال إن طائرة مسيرة تمت برمجتها لمهاجمة الأهداف بشكل مستقل، دون تدخل بشري”. وعلّقت بأن الحرب التي شهِدتها ليبيا في العام 2021، كانت إحدى الحروب التي تم فيها استخدام الذكاء الاصطناعي العسكري، وبعدها كانت الحرب في أوكرانيا، التي توسّع فيها التنافس العسكري بين الولايات المتحدة وروسيا، ضمن قواعد جديدة للحرب بإدارة الذكاء الاصطناعي.
وأوضحت الباحثة الأمريكية بالمعهد المتخصص برصد المخاطر الوجودية التي تهدد البشرية، وتحديدًا المخاطر الوجودية للذكاء الاصطناعي:
“لا نعرف ما هو بالوضع الذي ضُبطت عليه خلال العملية، هل كان الإنسان يشرف عليها ويختار الأهداف التي تُهاجم، أم كانت الآلة تفعل هذا من تلقاء نفسها؟ لكن لابد أن تأتي لحظة ما، سواء حدث حقًا في ليبيا أو أوكرانيا أو أي مكان آخر، حيث ستحدد الآلة بنفسها الأشخاص الذين ستقتلهم في المعركة”.
المناخ والذكاء الاصطناعي
عرض الوثائقي بعض الصور لبرنامج “كوجنيتيف ميشن مانجر” التابع لشركة لوكهيد مارتن، إحدى أهم الشركات الأمريكية، للصناعات العسكرية، وهو برنامج لاحتواء الحرائق وكيفية التعامل معها عبر الذكاء الاصطناعي.
ويعمل البرنامج، على التقاط الصور و المقاطع من الجو بالأشعة تحت الحمراء، ثم يعالجها عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي الخاصة به، بهدف التنبؤ بحالة الحريق مستقبلاً، وبشكلٍ أكثر وضوحًا، يعتبر هذا البرنامج، محاكاة للبحث في آلاف الاحتمالات، من أجل اقتراح الطريقة الأكثر فعالية لنشر الموارد، بهدف إخماد المناطق المشتعلة ذات الأولوية العالية. وتُنفذ هذه العملية باستخدام طائرة “فاير هوك” التي ستعمل على إخماد الحرائق بعد تحديد مواقعها.
البشر والذكاء الاصطناعي
الفرضيات العلمية والتجارب التي قدّمها فيلم Unknown Killer Robots عن مستوى تطور هذا الذكاء الذي أصبح يُزاحم البشرية، لا يمكن وصفها إلا بأنها فرضيات وتجارب مُرعبة، توحي بأن السنوات القادمة سيكون فيها البشر عبارة عن متفرجين من بعيد، على معارك باسمهم يقودها روبرتات قاتلة لا تميّز بين من هو المدني أو العسكري، لا تفهم القوانين الإنسانية أو القرارات التي يمكن أن تتخذ لإنقاذ إنسان واحد بريء من كل هذه الحروب القادمة.