منصة الصباح

رحم الله الحاج علي

 بدون سقف

   بقلم : عبدالرزاق الداهش

الحاج علي لا يشبه إلا الحاج علي، شخصية مختلفة على الآخرين، كل ما بداخل صدره، يضعه على لسانه.

المجاملة، والحشمة، وكلام الناس، ومفردات أخرى من قاموس النفاق الاجتماعي، لا تدخل إلى قاموسه.

“لا أحد سوف يعطيني وجهه” هكذا قال ذات مرة، أو ذات غضب .أما ذات صراحة فقد قال لي “عمك علي مثل الدولة، ينفق مئة دينار ليسترجع حق قيمته عشرة دنانير.”.

في مطلع السبعينات كان قد صدر قرار بمنع بيع، أو تقسيم الأراضي الزراعية، وكان الحاج علي، بصدد بيع مزرعته، ولكن مشكلته نقل ملكيتها للمشتري .

القرار بالنسبة له، غير منطقي، فحق التصرف، هو شرط من شروط الملكية، ولهذا لجأ إلى حيلة قانونية لم تخطر على بال أحد .

طلب الحاج على من المشتري، أن يرفع عليه دعوى للمحكمة، ويطلب فيها تمكينه من المزرعة، التي دفع ثمنها على دائر المليم للبائع .

في المحكمة اعترف الحاج علي، بأنه استلم كامل الثمن، وحتى تصرف في جزء منه، وينتظر، فربما يحصل على سعر أفضل، فأصدر القاضي حكما ملزما يقضي بتسليم المزرعة للمشتري .

وهنا ألتفت الحاج علي للرجل، وقال له بلغة الواثق :الآن صارت المزرعة باسمك، وبحكم محكمة.

كان أغلب الباعة في السوق، يضعون للحاج علي حسابا، أكثر من أي مؤسسة ضبطية، حتى أنهم لا يتذكرون التسعيرة إلا معه.

أحد القصابين كان قد تعامل مع الحاج علي بامتعاض، وباستفزاز حتى، بعد أن باعه كيلو لحم، وعلى التسعيرة، التي يراها الباعة أنها مجحفة.

أخذ الحاج علي طريقه نحو مركز الحرس البلدي، قبل أن يعود مرتاحا إلى بيته، وبحوزته تهمتين وكيلو من اللحم كدليل اثبات.

فهو اشترى كيلو لحم، ولكنه اكتشف أن نصفه عظام، وهذا يعني أن الجزار قد باع له نصف كيلو فقط، بسعر كيلو، كما أنه حسب له الورق ضمن ميزان اللحم، وهذا يعني باعه مادة الورق بعشرة أضعاف قيمته.

أما ذات صباح فقد كان الحاج علي في أحد محطات الوقود، وكانت سيارة شحن تفرغ حمولتها من زيت الفرامل، وكان مدير المحطة يقول : “لن نتصرف في علبة إلا بعد افراغ كامل الكمية ».

“يعني استطيع أن أحصل على نصيبي بعد ساعة أو ساعتين»، سأل الحاج علي مدير المحطة الذي أجابه “: حتى بعد خمس ساعات .»

بعد أقل من ساعة عاد الحاج علي، ولم يجد حتى علبة واحدة، وقال لنفسه قبل أن يقولها لضابط التحقيق الوان الكمية وزعت علبتين . علبتين، أو حتى ثلاثة لما انتهت حتى ظهيرة اليوم التالي.

في المساء رجع الحاج علي إلى نفس محطة الوقود، ليرجع إلى مركز الحرس البلدي، والتهمة أنه لم يجد أيا من العاملين، وقال: “وجدت أشخاصا لا يرتدون زي الشركة، فخفت أن أكلم أيا منهم، فلعله يكون قاضيا، وتكون لي تهمة .

على فكرة (الحاج علي هو الليبي، وربما الوحيد، الذي أغلق محل صيانة إطارات في تونس لمخالفته التسعيرة.

في احد المساءات اشتكى له بعض الفلاحين من تجاوزات الجمعية الزراعية، فقال لهم: مركز الشرطة مفتوح، الله خلق لي وجها واحدا، فكم خلق لكم الله؟

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …