في درنة إلتقى الوطن
محمود السوكني
هل كان لابد أن نقدم ألاف الارواح قرباناً لوحدة الوطن ؟!
هل قدر لهذا الوطن أن يلتقي في سرادق العزاء ؟!
ألم يكن من الممكن أن يتوحد شتات الوطن دون أن نذرف الدموع دماً ؟
في درنة تبرع الوطن بالألاف من أبنائه حتى تعود انفاسه وتسري الدماء في عروقه وتنتظم دقات قلبه .
فهل كان لابد أن تحدث كل هذه التضحيات الجسام كي تنهض ليبيا من كبوتها ؟!
لقد كان الثمن فادحاً ، فهل نحافظ على نتيجته ؟
و .. هل نكتفي بالنتائج ونتغاضى عن الأسباب رغم فظاعتها ؟!
يقول النائب العام أن أسباب إنهيار السدين كانت ماثلة لذوي الإختصاص منذ قراية نصف قرن (1978-2023) !! وهذا يعني أن مسئولي النظام السابق قبل غيرهم متهمون بالإهمال في هذا الشأن ، فهل نعلق عليهم ما آل إليه الحال ، وما تسبب فيه من نكبة مروعة ؟! أم أن العدل يفرض علينا أن نحقق حتى مع من إستلم مسئولية هاذين السدين بعد السابع عشر من فبراير 2011 وحتى تاريخه ، لأنه لا يعقل أن تكون الجهة التي تتبعها السدود قد غضت الطرف عن التشققات التي ظهرت بهما .
لقد صرح النائب العام من على آديم الأرض المنكوبة بأن لجنة قوامها ستة وعشرون من خيرة وكلاء النيابة قد باشرت عملها الجاد للكشف بمنتهى الشفافية عن مسببات هذه الخسارة الهائلة والوصول إلى من اذنبوا في حق هذا الوطن للقصاص منهم ؛ والسؤال الذي يفرض نفسه : ماهو العقاب الذي يكافيء حجم هذه المأساة ويرضي ضحاياها ؟! لاشي البتة ولا أقل من أن تزهق ارواحهم وتشطب اسمائهم من سجلاتنا فنحن لا نتشرف بمنحهم صفة المواطنة لأنهم غير جديرين بها .
ولعلي في هذه العجالة أعترف بزهو غير مسبوق بأن المحنة رغم شدة وجعها بثت في نفوسنا روح التأزر ، وازالت الشوائب من على شغاف قلوبنا التي إنتظمت دقاتها عندما إلتقت في جوف الوطن .
درنة التي كانت مسرحاً للنكبة كانت أيضاً عرساً للوئام ، وكأنها تعتذر عن فظاعة الحدث وجسامة المصاب بأن رممت جدار الوطن ولمت شمل أبنائه ، لتكرس ماعرفت به على مدى التاريخ من أنها ملتقى الصحابة وقبلة الأوابين .